أحلام العصافير

TT

بينما كنا جالسين في حلقة حول بعضنا البعض في داره العامرة، سألنا المضيف، زيادة منه في إكرامنا، الترفيه عنا قائلا: ما رأيكم في أن نلعب لعبة (العصا السحرية)؟!

ونقلني فجأة سؤاله هذا إلى الخلف عبر عشرات الأعوام، متذكراً مرحلة الطفولة، عندما كنا نسأل بعضنا بعضا: ما رأيكم أن نلعب لعبة (الاستغمّاية)، أو (أم اللمس)، أو (نطة الإنجليز)؟! ولم يقطع عليّ خيالي غير أصوات البعض وهي تتعالى، مستحسنين الفكرة، بعضهم لم يفهم السؤال أصلا، لأنه في ذلك الوقت كان مؤجراً الطابق العلوي من رأسه، وبعضهم فهم السؤال وأراد أن يستعرض عضلات لسانه التي لا تتوقف عن الحركة، وبعضهم أراد أن يجامل صاحب البيت؛ فوافق مثلما وافقت أنا.

بدأوا بي، فسألوني، فقلت لهم مازحاً: لو أنني امتلكت تلك العصا؛ لضربتكم بها جميعاً. تصايحوا في وجهي قائلين: لا، لا تحول الموضوع إلى مسخرة؛ فصمت احتراماً لجديتهم، فخطف الجواب أحدهم، بعد أن (سلهم) بعينيه قائلاً: لو أنني امتلكتها؛ لعشت حياتي باستمتاع ما بعده من استمتاع.. قاطعته قائلاً: مثل ماذا؟! هل يعني هذا أن تحول ليلك إلى نهار، ونهارك إلى ليل مثلاً؟! فرد عليَّ محتجاً: إنك دائماً هكذا مثل (إصبع الصفرة)، لا تطيق صبراً، فعندما ذكرت الاستمتاع إنما أعني به البساطة في الحياة، وأن أضيف قيمة لها، وأن أكون مهندماً بلباسي، حائزاً لياقة بدنية عالية، وأن أكون محبوباً، وأشعر طوال 24 ساعة بالسلام الداخلي والاسترخاء كذلك.

الواقع أنني لم أفهم الكلمة الأخيرة التي ذكرها، وهي (الاسترخاء)، فسألته: ماذا تقصد بالاسترخاء، هل يعني هذا أن كل ما فيك مسترخٍ؟! نظر إليَّ بعين باردة ولم يجبني.

فقال الثاني: أريد أن أحافظ على النعم التي بحوزتي، ولا أريد لأحد أن يشاركني فيها.

وقال الثالث: أريد أن أتزوج أجمل امرأة في العالم.

وصرخ الرابع ـ ولا أستبعد أنه كان (محصوراً) ـ لأنه قام واقفاً وقال وهو يهرول إلى الحمَّام: أريد أن أمتلك بنكاً.

وقال الخامس: أريد أن أدمر إسرائيل، فقاطعته متسائلا: وأين تذهب برفات سكانها، قال: أحرقهم، قلت: حتى وهم موتى؟! قال: حتى وهم موتى. قلت له: يا ساتر، لقد تغلبت إذن على هتلر.

وقال السابع: أريد أن أمتلك وحدي جميع الورود الحمراء في العالم، لأقدمها لحبيبتي في عيد الحب، فتدخلت قائلا: ولا تترك لي ولا حتى وردة واحدة؟! فقال: ولا واحدة.

وتكلم الثامن وكان أكثرهم عقلانية عندما قال: أريد أن أرتاح من (لجلجة) زوجتي.

وعاد الدور مرة ثانية وأجبروني على الكلام، فقلت لهم: أريد العشاء حالا بدون تأخير، لأن عصافير بطني بدأت تتقافز. فرد عليَّ التاسع، وكنا قد نسيناه، لأنه كان بعيداً عنا منبطحاً على (الكنبة)، وقال لي بصوت ثقيل كخوار الثور: صح لسانك، فأنت الوحيد الذي تستحق العصا السحرية، ثم صاح بأعلى صوته، رافعاً إحدى قدميه: العشاء، العشاء.

[email protected]