اغتيال عماد مغنية ومعضلة الرد عند حزب الله

TT

مرّت سنة على اغتيال القياديّ في حزب الله، عماد مغنيّة. عقب الاغتيال، اتّهم الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله إسرائيل بالاغتيال، كما هدّد بالردّ وبالحرب المفتوحة.

قبل انقضاء سنة على الاغتيال، وقعت الحرب الوحشيّة على غزّة. ظلّت جبهة الجنوب اللبنانيّ هادئة، حتى ولو أطلقت بعض الصواريخ المجهولة الهويّة على المستوطنات الإسرائيليّة، لكن الدولة استنكرت، كما نفى الحزب أيّ علاقة له بالإطلاق.

لم يتصرّف حزب الله تجاه الحرب على غزّة، كما تصرّف في عام 2002 عندما كانت إسرائيل تخوض حربا – الدر ع الواقية، مخيّم جنين- ضد الفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة. في ذلك الوقت، اشتعلت جبهة مزارع شبعا دعما للإخوة الفلسطينيّين، وفق تعبير حزب الله. هذا، مع العلم بأن الحرب على غزّة 2008-2009، تضرب قلعة المقاومة، حيث حماس، وحيث استثمر حزب الله الكثير. لكن لماذا؟

دون شكّ، لا يمكن حزب الله، وبالرغم من إمكاناته الكبيرة أن يفعل ما يريد أن يفعل، ووقت ما يريد ذلك. لماذا؟، فقط لأنه جزء بسيط من اللعبة الدوليّة، كما الإقليمية. وما هو استراتيجيّ له، قد يكون تكتيكيّا في حسابات القوى الدوليّة، كما الإقليمية. لذلك، وفي كلّ مرحلة من مراحل اللعبة هناك ديناميّة خاصة بها، كما أن هناك ضوابط على مستوى كلّ لاعب، كائناً من كان، وفي أيّة هرميّة وقع. لا يخرج حزب الله عن هذه الأطر.

في ذكرى الاغتيال، أعاد السيّد نصر الله تأكيد الوعد، والعهد على الردّ على الاغتيال.

وقد قامت مصداقيّة حزب الله على الوعد والإيفاء بالوعد، حتى ولو بعد وقت طويل. في أي حال، يُقال إن «الانتقام طبق، من المُفضّل أن يُقدَّم باردا». وعد نصر الله بالتحرير، فتحرّر جنوب لبنان. وعد باسترداد الأسرى من السجون الإسرائيليّة، فخُطف الجنود الإسرائيليّون، وكان تحرير الأسرى. حتى ولو كان الثمن، خاصة على لبنان، أكبر بكثير من الأرباح، بينما كانت الأرباح للاعبين الإقليميّين كبيرة جدّا. وفي حالة الردّ على اغتيال عماد مغنيّة، وبما أن السيّد وعد، فإن المنطق يقول وحسب ما تعودّنا، بحتميّة الردّ. بالإضافة إلى المصداقيّة، هناك العالم الشخصيّ للعلاقة بين السيّد ومغنيّة. فالعلاقة تعود إلى الأيّام الأولى لبدء تشكّل المقاومة في بعلبك، وذلك عندما كان الحرس الثوريّ الإيرانيّ يتولّى تدريب ما سيُعرف لاحقا بحزب الله.

أما في مستوى الردّ، وبحسب خطاب نصر الله الأوّل والأخير في ذكرى السنة، يبدو أن مغنيّة يُعتبر بالنسبة إلى الحزب بمستوى قائد الأركان، أو حتى وزير الدفاع في أي دولة. فنصر الله شدّد على دور مغنيّة في التحرير عام 2000، كما التخطيط للنصر في حرب تمّوز 2006، وحتى، وحسب نصر الله أيضا، يبدو أن لمغنيّة الدور الأساسيّ في تحضير أرضيّة الحرب في غزّة – منظومة الصواريخ، قتال المدن، .. إلخ- وحتى النصر الذي حقّقته حماس، هذا إذا كان هناك مِنْ نصر، إذ إن الأمر يستلزم بعض الوقت لاستشراف الصورة السياسيّة المقبلة.

كذلك ، يعتبر نصر الله أن مغنيّة قد أسّس بفضل فكره العسكريّ الاستراتيجيّ المتقدّم جدّا، وبسبب التراكمات العمليّة ـ الخبرة لفترة طويلة في القتال ضدّ الجيش الإسرائيليّ - جيلا من شباب المقاومة، سيكون هو عماد هذه المقاومة.

إذاً، وفي حال ردّ حزب الله على الاغتيال، فمن الضروري أن يكون الهدف الإسرائيليّ ذا «قيمة» عالية.

أما في مكان الردّ، فقد أكد نصر الله أن الحرب مفتوحة مع إسرائيل، فقط لأنها اغتالت مغنيّة خارج الأرض اللبنانيّة. وبذلك، يكون قد احتفظ بحقّ الردّ خارج الأرض اللبنانيّة. وإذا غيّرت إسرائيل قوانين اللعبة، فلحزب الله الحق في ذلك. ومن الطبيعيّ أن تكون الأرض الإسرائيليّة ـ فلسطين المحتلّة- هي المكان الطبيعيّ للردّ، فقط لأن الأهداف المهمةّ متوافرة وبكثرة، حتى ولو كانت هناك تدابير أمنيّة مشدّدة، إذ لا يوجد أمن مطلق في المبدأ. كذلك إن الردّ داخل إسرائيل، هو ضربة للأمن القوميّ الإسرائيليّ، الأمر الذي قد يحقق توازن ردع. وهنا، قد يمكن النظر إلى الانتشار الشيعيّ في العالم، خاصة المتعاطف مع حزب الله، وهو في أغلبه متعاطف، لتوقّع مكان الردّ البديل. فحسب الفكر الاستخباراتيّ، وحسب التجربة، لا يمكن لأيّ فريق أن ينفّذ عمليّة معقدّة، كبيرة وضدّ هدف كبير، وخارج قواعده الأساسيّة، دون أن يكون له ملاذ آمن، ودعم محليّ حيث العمليّة.

أما في توقيت الردّ، فإذا اعتبرنا أن ردّ حزب الله على الاغتيال مرتبط باللعبة الإقليميّة، كما الدوليّة، فمن الطبيعيّ النظر إلى الاغتيال من ضمن هذا المنظار. وعند الحديث عن المنظار، لا يمكن تجاهل التغيير الكبير الذي حصل في أميركا مع الإدارة الجديدة. هذا، عدا الرسائل غير المباشرة للتقارب الأميركيّ ـ الإيرانيّ. ومن ضمن هذه المقاربة، يبدو أنه كلّما انتظر حزب الله أكثر، أصبحت حظوظ الردّ ـ حسب المبادئ أعلاه ـ صعبة، خاصة في حال السيناريو الممتاز بين إيران وأميركا. وفي حال السيناريو الأسوأ بين الاثنتين ـ وهذا مستبعد اليوم ـ فقد تتعزّز كلّ إمكانات ردّ حزب الله.

إذاً، يبدو حزب الله اليوم في معضلة الانتظار للردّ. فإن هو ردّ حسب ما هو متطلّب منه، وحسب المعايير الموضوعة أعلاه، فهو مُلزم بالأخذ في الاعتبار ديناميّة اللعبة الإقليميّة، وبكل تفاصيلها، كما هو ملزم بمستوى معيّن من الردّ، فقط لأن خسارته تتطلّب ذلك. هذا، عدا الوعد والتهديد من قبل السيّد ـ المصداقيّة. فكيف سيوفّق حزب الله بين كلّ هذه التناقضات؟. أمر متروك للمستقبل القريب، فلننتظر.

* عميد متقاعد في الجيش اللبناني، وباحث أكاديمي