إيران تحرق أصابعها بالكبريت البحريني

TT

تصريحات إيران الاستفزازية حول تبعية البحرين لها تذكرنا بقصة معبرة يرددها عرب الجزيرة تشبه قصص كليلة ودمنة يقولون فيها، إن ذئبا كان يطمع في ماعز، وكان ينتظر منها أن تؤذيه أو تتحرش به بالكلام أو بالفعل ليجعل ذلك مبررا لافتراسها، لكنها كانت مسالمة ولم تعترض طريقه ولم تتحرش به، ففكر في حيلة تبرر له الهجوم عليها، فرآها ذات يوم تأكل برسيما، فخلق من طريقتها في الأكل وتحريك فمها مشكلة، فقال لها أنت تستهزئين بطريقة أكلي؟! فعاقبها بافتراسها والتهامها، وهكذا إيران مع البحرين الدولة الصغيرة المسالمة التي تنهج دبلوماسية هادئة وتنأى بنفسها عن الصراعات، وعرفت قدر نفسها فلم تتحرش بالدول الإقليمية الكبرى، ولم تطمح إلى نفوذ إقليمي يجعلها ترتقي مرتقى صعبا يفوق قدراتها وإمكاناتها.

لكن الذئب النووي الإيراني لا يترك المسلمين المسالمين في حالهم، فراقب البحرين التي احترمت جواره فلم تستفزه، بل اعتمدت عليه في تزويد الغاز الطبيعي، تاركة جيرانا لها أولى بصفقات الغاز وهم أقوى آصرة وأقرب جيرة، فنكشت إيران من ركام التاريخ الغابر مزاعم قديمة تثبت تبعية البحرين لها، التي لو سلمنا له بها جدلا، لكان من لازمه إعادة لخبطة كل الحدود السياسية في العالم وإدخال العالم في فوضى لا نهاية لها، بل كان من لازمه إعادة مناطق إيرانية عربية مثل الأهواز والمحمرة وعبدان للعراق.

البيانات الترقيعية للساسة الإيرانيين لاحتواء آثار هذه التصريحات العدوانية لن تجعلنا نصدق النوايا الدفينة السيئة، فالتصريح منسوب لناطق نوري، وهو مسؤول إيراني مقرب جدا من مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، وليس كاتبا يبدي وجهة نظر، كما أن هذا التصريح حول دعوى تبعية البحرين لإيران ليس جديدا، فقد سبق بالون نوري الاختباري بالون آخر لحسين شريعة مداري وبالتحديد عام 2007، وذلك في مقال كتبه مداري رئيس تحرير جريدة «كيهان» الرسمية والمساعد المقرب لمرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، وقد قلل حينها وزير الخارجية الإيراني «منوشهر متكي» من أهمية تعليقات شريعة مداري، فقال: «إذا نشر أحد شيئا في جريدة بحرينية، فلن نتوقع اعتذارا من حكومة البحرين»، ويبدو أن لمتكي من اسمه نصيب، فإن كان بمعنى متقي فقد كان تصريحه تقية سياسية واضحة، وإن كان متكي، من الاتكاء، فقد اتكأ على شريعة مداري في تمرير الرسالة وضبط تبادل الأدوار وتوزيع التوقيت مع ناطق نوري.

إيران أعجبها سيناريو احتلال صدام للكويت، فبدأت تسير خلف طريقته حذو القذة بالقذة، صدام بدأ بالتحرش بالكويت رافعا شعار قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق، تاركا لصحفه ومسؤولين من الدرجة الثانية فرصة التعبير عن النوايا العدوانية المبيتة، وكذلك تفعل إيران هذه الأيام، ونظام صدام سمى الكويت بالمحافظة التاسعة عشرة، وإيران أعطت «محافظة» البحرين رقم الرابعة عشرة، ونستطيع أن نقول وبكل ثقة إن تصريحات ناطق نوري تأتي في منظومة إيرانية لتصدير مشاكلها في دول العالم الإسلامي المستقرة مثل اليمن ومصر ولبنان وموريتانيا وأفغانستان وباكستان وفلسطين وبعض الدول الأفريقية وبعض الدول الخليجية، وإن كانت إيران تتكئ على دعمها لبعض الفصائل الفلسطينية واللبنانية في مقاومة إسرائيل للسكوت عنها وعن مخططاتها التوسعية أيدلوجيا وسياسيا، فهو مخطط محكوم عليه بالفشل، ولتأخذ ما جرى لحزب الله في بيروت الغربية عبرة.

نصيحتنا لإيران، من أجل مصلحتها ومصلحة جيرانها ومصلحة السلم العالمي، أن تنكفئ على علاج مشاكلها الداخلية التي تزداد صعوبة وتعقيدا، فتفشي البطالة وسوء الخدمات الصحية والاجتماعية وانتشار الفقر بين شعبها، أولى بجهودها من مناكفة الدول المجاورة وتهديدها واللعب بنار الطائفية التي تحرق كل شيء حتى أصابع مشعليها.

[email protected]