صحف المال والنجاح

TT

كان الخبر السيئ في السياسة، فأصبح في الاقتصاد. تحولت الناس عن الصحف السياسية إلى الصحف الاقتصادية، لكي تقرأ قصص النجاح وأرقام النمو وحكايات التطور. واستبدل قطاع كبير من القراء صحفهم اليومية: من «التايمس» إلى «الفايننشال تايمس»، ومن «النيويورك تايمس» إلى «الوول ستريت جورنال». وأما «الموند»، عراقة الصحافة الفرنسية، فقد رأت أن السبيل الوحيد للبقاء هو إضافة ملحق اقتصادي في حجم الجريدة الأم. وكانت قد سبقتها إلى ذلك منذ سنوات، يومية جميلة أخرى تصدر في باريس، هي «الهيرالد تريبيون».

عندما أطالع صحف المال هذه الأيام، أشعر كم هو وضع العالم صعب وخطر. لا خبر جيداً في أي مكان. لا إشارة صعود أو نمو أو تحسن. الخسائر في أميركا الفوضوية وفي دول اسكندينافيا الشديدة المحافظة. النكسات في بلد نفطي متقدم مثل النرويج، وفي بلد قليل الموارد والتقدم مثل بولندا. أوروبا الشرقية التي أشرقت قبل 20 عاماً غارقة في البطالة والفقر. أقرأ لائحة المعدلات والمقاييس في «الإيكونومست»، أعظم مجلات العالم، فأراها كلها في خانة النقصان. النسب المئوية التي كانت مقاييس الأرباح، أصبحت مقاييس الخسائر. العملات في السقوط، والمعادن ـ إلا الذهب ـ في السقوط، والنفط في السقوط، وحركة الاستهلاك في السقوط، وحركة النقل في السقوط، والعقار في السقوط، والأسهم «الدفاعية»، كالكهرباء والطاقة والمياه، خالفت كل التحصينات، وسقطت هي أيضاً.

لا أدري ماذا حدث لهذا العالم. المصارف التي كان المرء يهرع إلى إيداعها ما يملك، أصبحت خطراً عليه. أكبرها أخسرها. سويسرا التي كانت حصن الثروات الكونية دخلت دائرة الضعف والاهتزاز. الصين التي حلقت في النمو تسقط، وتسقط أيضاً جارتها الهند، وسنغافورة، وماليزيا. فلم يعد نمور في أي مكان. ولم نعد نسمع إلا بمحتالين أسطوريين، مثل المستر مادوف، يقابلهم محتالون ونصابون في كل مكان. وبعضهم أصبح في السجون العربية يدعي الجنون ويتظاهر به، كما يتظاهر مادوف بانفصام الشخصية في إقامته الجبرية.

هذا حال الأغنياء. وحال الأغنياء نقرأه في صحف المال، وفي نشرات البورصة، وبيانات توزيع الأرباح. نحن لا نقرأ عن حال الفقراء، وما حل بهم في هذا البطش المالي الجديد. وأعتقد أنه من الأفضل ألا نقرأ.