موقع.. وفرصة!

TT

لا ينقطع ولا يتوقف الحديث عن ما بات يعرف بثورة الاتصالات، وهذا الحديث عادة ما يكون معنياً بأثر الهواتف النقالة والكمبيوتر والتطورات التي حدثت فيه ومن خلاله، وطبعاً التلفزيونات الفضائية وشبكة الإنترنت العنكبوتية وما تقدمه من مواقع مختلفة. ولم يعد سراً ولا خافياً على الكثير مقدار التأثير الذي تحدثه تلك الوسائل على الأفراد والهيئات والمجتمعات سلباً وإيجاباً. وحالياً لا توجد وسيلة تبرز حجم هذا الأثر ودوره مثل موقع «الفيس بوك»، وهو موقع أسسه طالب جامعي أميركي في العشرينات من عمره واسمه مارك زوكربرج، ويبلغ من العمر الآن 24 عاماً، واليوم يتخطى دور هذا الموقع من مكان افتراضي للتعارف وللتواصل، إلى وسيلة فعالة ومؤثرة للتأثير على الرأي العام، وتأسيس مجاميع سياسية وفكرية واقتصادية وثقافية ورياضية عابرة للحدود والأعمار والثقافات والجنسيات. وقد فطن إلى أهمية كل ذلك الساسة ورجال الأعمال، فبدأوا في استخدام المواقع لحشد التأييد لبرامجهم الانتخابية (كما فعل ذلك بكل نجاح الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما) وكذلك لاستقطاب المواهب وتوظيفها والحصول على الأفكار الخلاقة والإبداعية غير التقليدية. واليوم بات موقع الفيس بوك مؤثراً جداً، ويستدل على أثره بالأرقام والأدلة. في عام 2008 كان عدد المشتركين في الموقع 100 مليون شخص واليوم في 2009 بلغ عدد المشتركين 175 مليوناً (وهذا العدد حتى الشهر الثاني من السنة فقط)، وبلغ عدد الدقائق المستخدمة على الموقع في عام 2008، 1.1 بليون دقيقة، مقابل 3 بلايين دقيقة حتى الشهر الثاني من سنة 2009. في شهر يناير الفائت كان موقع فيس بوك يضيف عدد 5 ملايين مستخدم جديد كل أسبوع، وهذا الرقم أقل ما يقال عنه أنه مذهل جداً. وإذا أردنا أن نضع هذه المسألة بشكل أدق وفي موقع مقارنة أكثر واقعية فكل ما علينا فعله هو المقارنة، وتحديداً مقارنة عدد السنوات التي استغرقت للوصول إلى قاعدة متابعين أو عملاء بلغ عددها الـ 150 مليوناً. موقع الفيس بوك وصل لهذا الرقم في فترة خمس سنوات، جهاز الآي بود الموسيقي استغرق 7 سنوات، جهاز الهاتف المحمول (الجوال) استغرق 14 عاماً، جهاز التلفزيون احتاج إلى 38 عاماً، وجهاز التليفون التقليدي احتاج إلى 89 عاماً! وطبعا باعتبار العالم العربي جزءًا مما يدور حوله، يلاحظ الازدياد المطرد في أعداد مستخدمي هذا الموقع التواصلي ويلاحظ استخدامه لأغراض ثقافية وسياسة (وإن كان الاستخدام التعليمي والاقتصادي أقل من المؤشر والمعدل العالمي لذلك) وبطبيعة الحال معظم مستخدمي الموقع العرب هم من فئة الشباب، وإن كان الطموح في توسيع قاعدة المستخدمين إلا أن حال الأمية الإلكترونية ما زال يمثل تحدياً يعوق انتشار استخدام الحاسب الآلي بالشكل المثالي. ومع هذا الانتشار تأتي حالات الخوف والفزع من كل ما هو جديد، وبدأت موجات التحذير والإنذار والتخويف والتشكيك من هذا الموقع فصدرت مجموعة من المقالات والكتب تحذر من مخاطر ومكايد هذا الموقع ومن يقف خلفه وما هي نواياهم ولعل أشهر هذه الكتب هو ما صدر بالقاهرة بعنوان «حقيقة الفيس بوك: عدو أم صديق» بقلم د. جمال مختار، وهذه اللغة تعيدنا إلى لهجات التخويف والتشكيك التي كانت قديما ضد كل ما هو جديد، ولعل الكثير لا يزال يتذكر فتاوى تحريم الراديو والتلفزيون وجهاز إرسال البرقيات والسيكل والسيارة والطيارة والكاميرا وغير ذلك من المستجدات التي لا يملك الجاهل معها سوى التحذير والنهي عن استخدامها. واقع الأمر أن موقع فيس بوك كان له الأثر الإيجابي في توعية أعداد غير بسيطة حول العالم بالكثير من المواضيع الجدلية مثل: الرسوم الكاريكاتورية لإدارة جورج بوش في حربها على العراق، التعريف الحقيقي بالدين الإسلامي، عرض الكثير من التحديات والتجاوزات الأخلاقية والاجتماعية وتحريك الرأي العام بحقها لاستحداث التشريعات، والسياسات المحفزة لتغيير هذا الوضع. من السهولة الانسحاب والتحذير من فرصة للتواصل والمساهمة في صناعة التغيير الإيجابي وممارسة المزيد من التقوقع، ولكن التحدي الحقيقي يتطلب أن نكون جزءًا من التغيير وأن نؤثر فيه.

[email protected]