البارزاني: «العراق لنا وكوردستان..»!

TT

خففت من الوجد على وحدة العراق عبارة رئيس إقليم كوردستان لمجلة «الأسبوعية» البغدادية: «العراق لنا وكوردستان لكل العراقيين». مثلما أنعشت مبغضي الطائفية عبارة رئيس الوزراء للمجلة نفسها: «نخوض حرباً ضد الطائفية». ذلك بعد فوز قائمته، التي جذب مغناطيس عنوانها «دولة القانون» المنتخبين، ولا يكون أهل الشمال خارج عدالة هذه الدولة إذا ما تحققت.

وخشية من تأويلٍ لمفردة «الشمال» أردف وأقول «كوردستان». بيد أن لكل مكان، بلداً كان أم غرفة، جهاتٍ أربعا، وأجمل جهة لدى مواطنينا المندائيين الشمال، حيث «مشوني كشطا»، وهي «أرض العهد يعيش عليها المختارون الصالحون»(الكنزا ربا). بمعنى أنها الجنة! وأطيب النسائم لدى العراقيين الهابة من الشمال. أقول هذا كي لا يأول المتعصب القومي الكوردي دلالة كلامي، مثلما ذهب قبله المتعصب القومي العربي وأهلك جهات البلاد الأربع! أحسب عبارة: «العراق لنا..» - أكررها لفرحي بها إلى حد ذرف الدمعة - قد جاءت في وقت تصاعد فيه الخلاف، حتى كادت المراسيل تتوقف بين بغداد وأربيل، وما يصاحب ذلك من تأويلات مخيفة. كيف لا يُسر بهذا الموقف الوجداني وقد سبق، أن نقل بول بريمر عن كاكا مسعود قوله: «أكره بغداد..»(عام قضيته في العراق)!

حقاً، لقد ضاقت بغداد، تحت سلطة البعث، على البغاددة الأُصلاء، فكيف برَجل واجه قومه الإبادة الجماعية، وما حل عليهم من الكوارث يعجز اليراع عن وصفه. لكن، بغداد لا تؤخذ بمغتصبيها، وهي مثلما أربيل والسليمانية، كانت تحت يد متوحشة. وعلى حد ما تذكره كاكا مسعود أن بغداد احتضنته صبياً ويومها تباهى، أمام زملائه، بأنه صديق عبد الكريم قاسم (قُتل 1963)، وقد راهن زميله أن يزور الزعيم، وبالفعل خرج مزهواً بتلك المقابلة. والرجل من المروءة لم ينس ذلك الاحتضان، بل كان شجاعاً وانتقد توقيت ثورة أيلول 1961! وكان صريحاً صراحة القبلي المتصوف عندما انتقد مَنْ يريد جلب الشعبية بشتم أمريكا، وهي التي أزاحت الكابوس!

هناك مَنْ كره بغداد، من قَبل، لكن لعلة المناخ لا السياسة. فيوم شيد الرشيد (ت 193هـ) قصره حيث المنطقة الكوردية، قال شاعره: «بِقردى وبازَبْدى مَصيفٌ ومَرْبَعٌ .. وعَذْبٌ يُحاكِي السلسبيلَ بَرودُ.. وبغداد ما بغداد أما تُرابها.. فحمَّى، وأما بردها فشديدُ»(تاريخ الطبري)! وليس شاعرنا هو الوحيد ممَنْ صرحوا بكراهة بغداد لقيظها الشديد، أو لسوء طالع، بل كُتب البلدانيين من البغاددة أنفسهم ملأى بذمها!

على أية حال، أجد في التاريخ البلداني ما يشد الأواصر بين جهات العراق الأربع في دولة القانون، وذلك للأسف يضايق المتعصبين، الكورد والعرب على حد سواء، بينما أجده مقبولا لدى مَنْ ظل معافى من تلك اللوثة العاصفة بوحدة العراق. لا يُطيق المتعصبون سماع رواية أو رؤية صورة (خارطة) تؤكد أن جغرافيا البلاد بعربه وكورده وبقية أقوامه، قديمة، ولم يكن العراق، يوما ما، قطرا من أقطار دولة عربية، حتى يمسي قطرا منها. إنما هناك إمارات، تبعت إمبراطورية عباسية، وصلت نهاياتها إلى الهند والصين، وأخرى عثمانية جمعت الشرق والغرب. ولا أجد في بيت بدوي الجبل (ت 1981) إلا المجاز لا الحقيقة: «ليس بين العراق والشام حدٌ.. هدم الله ما بنوا من حدود»!

هناك جغرافيا حددها البلدانيون من أعالي الموصل إلى أسافل ما بعد البصرة، وعرضها من القادسية إلى حلوان (خانقين). وأن التقسيمات العثمانية للعراق كانت عشرة سناجق (ألوية): بغداد، شهرزور(كركوك ويتبعها أربيل)، السليمانية، الموصل، الدليم، كربلاء، الديوانية، البصرة، العمارة، المنتفك(جريدة الزوراء، العدد الثاني، 1869). وأن الأمثلة على وجود عراق جغرافي تاريخي، قريبا من خارطته الحالية، وعلى شراكة الكورد فيه قبل (1921) لا تُعد ولا تُحصى! ليس العراق عربيا ولا كورديا ولا غيرهما، بل هو العراق وكفى! ذهبت إلى ذلك، ودا بتأصيل الوحدة العراقية. ومعاذ الله أن أكون ضد فيدرالية أو لا مركزية، لكن ألا تتعدى الفيدرالية الألمانية مثلا. أقول وقولي مخلصا «وليس مداهنا معسولا» يا كاكا مسعود استمعوا للكُتاب الكورد القلقين على العراق والإقليم، قبل غيرهم من المداهنين، يوم سألوا كم علم عراقي خفق في المناسبات الكوردية؟! حتما، سيصاب الجيل بازدواجية بين ثقافة شح الوجه عن الرابطة التاريخية بالوطن، مع أن: رمزه (رئيس الجمهورية)، ولسانه في الخارجية، وقوته في رئاسة الأركان، وبقية المناصب الكبرى بيد الكورد! وهم أهلٌ لذاكا.

أجد «العراق لنا وكوردستان لكل العراقيين»! توجب دعم العاطفة الوطنية، فقد خلت بغداد من حمم الكراهية، وقوتها قوة لأقصى قرية كوردية، تصلها مدافع الجارين، الشرقي والشمالي، على مدار السنة!

[email protected]