داريوش يقرع الذاكرة

TT

وصلت أول بعثة غربية إلى الخليج عام 1762 برئاسة الدنماركي نيبور الذي ترك لنا ما بقي حتى الآن، أول وأهم شهادة انطباعية عن حالة المنطقة في القرن الثامن عشر. لم يكن نيبور ينتمي إلى دولة استعمارية من دول المرحلة، بل إلى دولة صغيرة أراد ملكها فريدريك العثور على شجرة البلسم الأبدية التي قيل له إنها في الجزيرة العربية.

دوَّن نيبور انطباعاته وزينها بالرسوم. وكانت أول محطة له في البحرين. وكتب يومها أنها إمارة على رأسها آل خليفة، يأتي إليها أهل الخليج من كل مكان للعمل. وقد فاجأنا النائب الإيراني داريوش قنبري أن البحرين هي المحافظة الإيرانية الرابعة عشرة. مع العلم أن اسم داريوش، أو داريوس، يبعث في الذاكرة التاريخية كل أحلام الإمبراطورية الفارسية وحروبها وطموحاتها.

تكررت كثيراً التصريحات الإيرانية. ويستند داريوش إلى أنه كان في البرلمان الإيراني أيام الشاه، نائب عن محافظة البحرين. والحقيقة أنه كان هناك نائبان، لا ينتخبان في البحرين ولا هما من أرضها، بل يعينهما الشاه بكل تعالٍ، إلى أن انتهى في قصر قطعت فيه الكهرباء، ومريضاً يبحث عن مستشفى، ثم متوفياً يبحث عن مثوى.

في المقابل نفى السفير الإيراني في المنامة أن يكون في تصريح داريوش قنبري مساً بسيادة البحرين. ويؤسف القول بأن طهران لا تتحدث بلغة واحدة، وأن الدول التي تتعامل معها لا تعرف أي موقف تصدق وأي تصريح تبني عليه. وإذا كان الخليج برمته يشعر بقلق عميق من نوايا السياسة الإيرانية، فإن البحرين تخطت في دائرة السياسة الإيرانية النوايا. إنها بلد يقض عيشه وينكد هدوءه وتملأ ساحاته التظاهرات، منذ أن قررت إيران العودة إلى سياسات العداء. ولم يعد أحد يدري أين تبدأ المطالب الداخلية، وأين ينتهي النفوذ الخارجي في تلك الحركات الاعتراضية المتواترة على نحو مقلق ولم يعد خافياً على أحد.

ثمة سخرية كبرى في المسألة. دولة يستضعفها من يشاء. البعض يريدها كلها والبعض الآخر يريد نصفها فقط. وإذا كانت المنامة قد ذهبت إلى القانون الدولي في قضية جزر حوار، فإلى من تذهب في شأن رغبة السيد داريوش المحصورة بالمحافظة الرابعة عشرة. وقد يعتقد البعض أن هذا كلام غير مسؤول وبالغ الخفة. لكن هكذا اعتقدنا من قبل في كلام عبد الكريم قاسم وصدام حسين عن المحافظة التاسعة عشرة.