الملك والسرداب (4)

TT

في العام الماضي بدأت في العمل في وادي الملوك بالأقصر بحثا عن مقابر الملوك التي لم تكتشف بعد، وذلك على رأس أول بعثة مصرية تعمل في وادي الملوك. وقمت بتقسيم البعثة إلى فريقين، فريق يعمل بالحفائر في الأماكن التي من المتوقع أن يتم الكشف فيها عن مقابر جديدة، وفريق آخر يعمل على استكشاف السرداب السري بمقبرة الملك «سيتي الأول»، والذي حير علماء الآثار جميعا نظرا إلى ضخامته وصعوبة استكشافه والتي جعلت جميع المستكشفين القدامى عاجزين عن كشف أسراره وما يخفيه بداخله. ولا يتصور أحد مدى الشوق وقسوة الانتظار التي أعيش فيها الآن متوقعا بين لحظة وأخرى أن تأتيني مكالمة تليفونية من مساعدِيّ بالوادي ليقولا لي: «لقد عثرنا على مدخل المقبرة، احضر حالا!». وهي الكلمات التي اعتاد الأثريون منذ زمن إرسالها إلى مديري الحفائر ليخبروهم عن الاكتشافات الجديدة مثلما حدث مع فيكتور لوريه عندما أرسل إليه مفتش الآثار المصري حسن أفندي برقية يخبره بالعثور على مقبرة «تحتمس الثالث» بوادي الملوك، وكذلك عندما عثر هيوارد كارتر على مقبرة الملك الذهبي «توت عنخ آمون» وقام بإرسال برقية إلى اللورد كارنانفون، الذي مول حفائر كارتر لمدة خمس سنوات وقال له: «لقد عثرنا على مقبرة الملك توت... أحضر فورا». ومن المعروف أن اللورد كارنانفون قد قرر بعد أربعة سنوات من العمل أن يقف التمويل، ولكن كارتر كان مصمما على العمل بالوادي للعام الخامس حتى لو مول الحفائر من ماله الخاص.

وأنا بدلا من البرقية أتوقع مكالمة تليفونية لكي أترك مكتبي بالقاهرة وأقيم في وادي الملوك وأشرف على الحفائر بنفسي كل يوم، ولا أعرف لماذا لدي إحساس داخلي بأن البعثة المصرية التي تعمل بوادي الملوك سوف تكشف قريبا بإذن الله عن المقبرة التي سوف تحمل رقم 64 بالوادي، وسوف تكون المرة الأولى الذي يكشف فيها المصريون عن مقبرة بوادي الملوك... وقد عثرنا حتى الآن على المجرى الذي كان الفراعنة يقومون بجمع «دموع الآلهة» (أي الأمطار) فيه، وتسير بعد ذلك من خلال قناة طويلة حتى تصل الأمطار إلى أسفل الوادي، وسجلنا العديد من النقوش الصخرية التي تركها الفراعنة، منها النقش الذي كتبه الوزير «أوسرحات» ويشير فيه إلى أنه بنى في هذا الموقع مقبرة لأبيه الوزير «آمون نخت»، ونقش آخر لملكة كانت تحمل لقب الزوجة الإلهية، بالإضافة إلى مناظر منحوتة على صخر الوادي «جرافيتي» سجلها الكتبة والعمال الذين كانوا يقومون بالعمل في نحت مقابر الملوك، وكل هذه أدلة تشير إلى أن الوادي مازال مليئًا بالأسرار التي سوف نكشف عنها قريبا بإذن الله. ولكن أهم ما عثرنا عليه إلى الآن هو تلك الحجرات أمام مقبرة الملك «توت عنخ آمون» التي كان الفراعنة يستعملونها كمخازن أو أماكن لإعاشة العمال. تُرى هل يكون الوادي رحيما بنا ويكشف عن سر من أسراره لأول بعثة مصرية تعمل به؟! إن أحلامي أحيانا تصل إلى حد الكشف عن مقبرة كاملة لم يمسسها إنسان منذ أيام الفراعنة، ولحظتها سوف يصبح هناك نجم أو نجمة أخرى بوادي الملوك غير النجم الأول، وهو الفتى الذهبي الملك «توت عنخ آمون». هل يبوح الوادي بأسرار جديدة؟ هذا السؤال سوف نجيب عليه خلال أيام قليلة بإذن الله...

www.zahihawass.com