هل تحتاج الديمقراطية إلى الإثارة؟

TT

يقول المخرج الأميركي المعروف والمثير للجدل أوليفر ستون في فيلمه الأخير «W» الذي يتناول سيرة الرئيس الأميركي السابق: «لا يمكننا اختراع جورج بوش جديد».

ستون الذي أنجز فيلمه النقدي الساخر قبل انتهاء ولاية بوش لم يقصد بجملته بالطبع الأسف على رحيل الرئيس الأميركي السابق الذي حفل عهده بارتكابات وإخفاقات على مستوى أميركا والعالم. ستون هو من ضمن شريحة من المخرجين والكتاب ومعدي الأفلام والبرامج الساخرة في أميركا الذين أدركوا أن انتهاء ولاية بوش ومجيء باراك أوباما رئيسا، سيسبب انتكاسة بالنسبة إلى الكوميديا. فالبرامج الهزلية والأفلام النقدية والنكات اقتاتت على شخصية وأداء الرئيس بوش حتى بات من الشخصيات الأكثر تعرضا للنقد والسخرية في العالم خلال السنوات الثماني التي قضاها في البيت الأبيض، والتي وفر خلالها ذخيرة كبرى لذلك النوع من البرامج والأفلام.

الحال تغير مع باراك أوباما، الذي وصفه البعض بأنه كابوس بالنسبة إلى فناني الكوميديا، إذ أن إطلاق النكات عليه ليس بالأمر اليسير، تبعا لشخصيته وأدائه، فأوباما يتمتع بسيرة وبشخصية جاذبة إلى حدود يتعذر معها تناوله على نحو هزلي مثير.

لا شك أن الترفيه والسخرية السياسية ليسا أمرين مستجدين، فقد كانت هناك تقاليد قديمة سمحت لمهرجي البلاط بانتقاد الملوك والأمراء عن طريق النكات. والحديث عن البرامج الساخرة وشعبيتها التي تقول الأرقام إن 30% من الأميركيين يحصلون على المعلومات والأخبار عبرها، هو في الحقيقة ظاهرة في الغرب باتت تستوقف الكثير من المحللين والباحثين. ففي عصر احتضار الصحافة الجادة باتت البرامج التلفزيونية المعدة ببراعة من حيث الإبهار والإثارة والتي تعج بمعلقين ومقدمين، الساحة الوحيدة التي تجذب الجمهور وتدفع بالسياسيين إلى مواجهة الرأي العام متسلحين بالجاذبية والخفة والقدرة على تمرير قفشات سريعة. أما التمكن من التحدث لساعات وقتل المتابعين مللا، فهي خاصية يتقنها القادة والحكام المستبدون، وفي بلادنا كثير منهم، وبالتالي لا ينطبق النقاش عليهم هنا.

في الولايات المتحدة تحديدا، تبرز ظاهرة الاستعراض والسياسة.

لا شك أن ذلك فيه شيء من الخطورة، لأن الحدود بين العمل الاستعراضي والسياسة تكاد تتلاشى. والحقيقة ربما أن الديمقراطية تتطلب درجة من الاستعراض والإثارة، إذ يرغب السياسيون في استمالة قاعدة عريضة من الناخبين، وبالتالي فإن القدرة على جذب الناس والتأثير فيهم تتوافر عبر مواقف هزلية أكثر بكثير من برامج وطروحات جادة. وما نجاح الهزليين سوى صفعة على خد من يتظاهرون باحتقارها، وكأن المستقبل ينتمي إلى الهزليين والمدونين الفوضويين ورجال الاستعراض الذين يرفهون عن الجماهير بالنكات عبر القنوات التلفزيونية وعبر الإنترنت، وهذا في حد ذاته خطر، لأن الانجراف المبالغ فيه نحو الهزلية والتسلية قد يقود في النهاية إلى ابتذال الديمقراطية وانحطاطها، فيما الطموح هو أن نصل إلى نظام ديمقراطي قادر على بث حياة جديدة دون أن ينحى بها نحو السوقية.

أما في بلادنا فسنبقى نستمع إلى خطابات مملة ليس فيها استعراض، والأدهى أنها بلا أفق.

diana@ asharqalawsat.com