اعتذار من القلب

TT

حللت قبل أسابيع ضيفا على الزميل عبد الغني طليس في تلفزيون لبنان، ودارت الأسئلة حول كل شيء تقريبا، من غزة إلى أغنية «بوس الواوا» للسيدة هيفاء وهبي. وفي معرض الإجابة قلت إن السيدة وهبي، هي صباح اليوم. وكنت أعني بذلك، من حيث الأغنية الخفيفة، أو الأغنية التي تحمل تلميحات لها تلميحات. لكن يبدو أن المقارنة أزعجت مطربتنا الكبيرة وأحزنتها، وردّت عليّ في مجلات فنية يؤسفني أنه لا يتسنى لي الاطلاع عليها. واتهمتني الصبوحة بالنقص في ثقافتي الفنية. ومنذ أيام اتصل بي تلفزيون «الجديد»، وأطلعني على ما قالت أم الزلف وسيدة المواويل، وسألني بماذا أردّ. قلت: سوف أردّ باعتذارين، الأول في الزاوية التي تحمل اسمي، والثاني على التلفزيون.

وسوف أقول إن جهلي الفني والتسرع في الجواب جعلني أسيء إلى سيدة طالما أحببت فيها طيبتها وقلبها وصوتها، وطالما اعتبرتها جزءا من تراث لبنان الغنائي، وخصوصا النوع الجبلي. ولم أكن أقصد من المقارنة سوى الربط بين مرحلتين: الأولى غنت فيها الصبوحة «الغاوي نقّط بي طاقيتو، الغاوي، الغاوي»، والثانية غنت فيها السيدة هيفاء «بوس الواوا، خَلّي الواوا يسَحّ».

أعتبر صباح جزءا من تراثنا الشعبي وجزءا جميلا من لبنان المغرد، ومثل كثيرين غيري سحرتني الصبوحة بطيبة قلبها وبعفويتها وبكرمها الأسطوري. ولم ألتقها مرة في مكان إلا وأكرمتني بما لا أستحق وأخجلتني بحرصها على متابعة أمور الذين عرفوها وأحبوها. وقد أحبها الذين لم يعرفوها أيضا.

وأحب أن أروي للصبوحة ما رويته هنا قبل عقد، عندما قلت للأستاذ وديع الصافي، إن أهم عمل فني يمكن أن يتم في تاريخ لبنان، هو أن يجمعك مسرح واحد مع صباح وفيروز. وكان ردّ الصديق الكبير أن طلب مني المستحيل. قال: أنا موافق، حاول أن تقنع فيروز. وطبعا لم أحاول.

يا صبوحة، عندما أكتب دائما عن فيروز، هذا لا يعني أننا لا نحبك، أننا لا نحب وديع، أننا نسينا ذلك الرقيق العذب نصري شمس الدين، أنه يغيب عن بالنا زكي ناصيف. يا عزيزتي الصبوحة، نحن مدينون لكم بالكثير من فرح شبابنا. قلبك واسع.