من عيوب الديمقراطية

TT

رغم كل تعلقنا بالديمقراطية، فعلينا أن نتذكر أن كبار المفكرين من أيام سقراط وأفلاطون إلى أيام ماركس وفيبر أبدوا شكوكهم فيها واعتبروها «حكم الغوغاء». هذا في الواقع شيء متوقع ومنطقي، فأكثرية الشعب في كل بلدان العالم هم أقل الشعب ثقافة ودراية وحكمة، وكثيرا ما أعجبوا بالديماغوجية والتطرف والعنف وتأثروا بمخادعات العلاقات العامة وبهرجاتها والرشوة والولائم.

المثل الكلاسيكي على ما أقول هو انتخاب الألمان لهتلر، والمثل الأقرب إلينا هو انتخاب الأميركان لجورج بوش وتفضيلهم ريغان على كارتر. وفي الهند صوّت الناخبون في كوجورات لنارندا مودي، المسؤول عن ذبح نحو ألفي مواطن مسلم. تلا ذلك العراقيون في انتخابهم للأحزاب الدينية الطائفية، ولكنهم سرعان ما بادروا إلى يقظتهم وفطنتهم في الانتخابات المحلية الأخيرة عندما صححوا مسار بلادهم وابتعدوا عنها.

تلقينا درسا آخر من الغوغائية الديمقراطية في تصويت الإسرائيليين لليمين المتطرف. يذهب الرأي العام الإسرائيلي إلى الاعتقاد بأن ما فعلته حكومتهم بسكان غزة لم يكن كافيا، كان عليها أن تستمر بالضرب، وهو ما يؤمن به نتنياهو فصوتوا له. وصف المؤرخ الإسرائيلي توم سكيف في صحيفة «هارتز» سكوت الجمهور عن مجازر غزة بأنه كان شيئا «مريعا ومخزيا». يؤمن أكثر الإسرائيليين بأن العرب لا يفهمون غير القوة فصوتوا لليكود، وكذا يؤمن بعض العرب بالنسبة للإسرائيليين فصوتوا لحماس، وهكذا وصل الطرفان إلى الطريق المسدود بسبب الديمقراطية.

مما يؤسفني أن اليمين الإسرائيلي يعتمد أساسا على اليهود الشرقيين الذين يشكلون نحو نصف السكان، وبصورة خاصة من جاءوا من البلاد العربية وحملوا معهم تراثهم العربي. تراهم لا يطربون لغير الموسيقى العربية، ولا يستمتعون بغير قراءة الشعر والأدب العربي، ولا يحبون من الأكل غير المحشي والتبيت والمسقوف والعمبة، ولا يتكلمون فيما بينهم بغير اللغة العربية، ولا يتحدثون في مجالسهم إلا عن ذكرياتهم وحنينهم إلى بلدانهم الأصلية. كنت أنتظر منهم أن يصبحوا جسرا للتفاهم بين إسرائيل والدول العربية، ويصوتوا للأحزاب اليسارية، ولكن هذا لم يحدث. دأبوا على التصويت لليمين المتطرف وسياسات الضرب والعنف. كثيرا ما سألتهم عن ذلك، وردوا علي بالإشارة إلى ما عانوه في بلدانهم العربية من اضطهاد. وهو جواب غير مقنع، فاليهود الأوربيون ( الاشكناز) تعرضوا في أوروبا إلى أفظع بكثير مما تعرض له اليهود العرب في العراق مثلا، ومع ذلك فالاشكناز هم الذين يحملون رايات التفاهم مع العرب والعطف على الفلسطينيين والاحتجاج على ما تفعله حكومتهم وفضح تجاوزاتها. الاشكناز يميلون إلى اليسار، والشرقيون يصوتون لليمين.

التعليل الوحيد الذي أجده معقولا هو أن الاشكناز قد تربوا على تراث الحضارة الغربية التي مارست الديمقراطية وتعلقت بحقوق الإنسان وحياة الإنسان وأفكار الثورة الفرنسية: الأخوة والحرية والمساواة. واليهود الشرقيون تربوا في ظل الدكتاتورية والاضطهاد والبطش والعنف.. وكل امرئ وما تربى عليه.

www.kishtainiat.blogspot.com