هل تتولى طالبان حكم مناطق الباشتون في أفغانستان؟

TT

توصف أفغانستان بأنها مقبرة الإمبراطوريات. وقد عبرت إدارة الرئيس باراك أوباما عن قلقها من الوضع الخطير في أفغانستان، وسيزداد هذا القلق مع قرب انتهاء فصل الشتاء، حيث من المتوقع عودة العمليات العسكرية من قبل الطرفين (طالبان وقوات التحالف).

وكان لوحظ أن المؤتمر الأمني الخامس والأربعين الذي عقد في ميونيخ مطلع هذا الشهر، ركز على إيجاد مخرج من المستنقع الأفغاني، وإيجاد طرق بديلة لإمدادات السلاح، لأن باكستان صارت ساحة لكل الأخطار.

مع هذا المؤتمر برزت دعوة الأمين العام لحلف الأطلسي الجنرال ياب دو هوب شيفر في 26 من الشهر الماضي في بروكسل، إلى كل من الولايات المتحدة ودول الحلف الأطلسي، بالعمل مباشرة مع إيران على أساس بناء توافق إقليمي يشمل أفغانستان، الهند، الصين وإيران، كما دعا دول الأطلسي إلى التعامل بشكل ثنائي مع إيران، لإيجاد طرق بديلة لإمدادات قواتها المنتشرة في أفغانستان.

منذ مدة غير وجيزة يدرس العسكريون الأميركيون والأطلسيون إيجاد طرق إمدادات بديلة لأفغانستان، لأن طرق الإمدادات عبر مرفأ كراتشي أو ممر خيبر، أو شمان إلى أفغانستان، رغم أنها قصيرة وغير مكلفة كثيرا صارت خطيرة. واليوم تنطلق الطائرات من حاملات الطائرات الأميركية في البحر لترافق الشاحنات التي تنقل الأسلحة وتحميها من هجمات «طالبان» باكستان والجهاديين. فكرت القيادة العسكرية الأميركية بطرق عبر آسيا الوسطى أو القوقاز، ورأت أن إيران توفر النقطة الأقرب عبر مرفأ شاباهار.

إيرن تشعر بأن الظرف مناسب لها، لتتصل بعدويها، علنا: طالبان والولايات المتحدة، حيث كلا الطرفين يطلب مساعدتها ضد بعضهما. لكن إذا وافقت دول في الأطلسي، مثل ايطاليا وكندا على نقل إمداداتها عبر مرفأ شاباهار إلى قواعد قواتها في حيرات وقندهار، فان هذه الإمدادات قد تتعرض للهجوم والسرقة في مقاطعة نمروز من قبل مسلحين تدعمهم ايران، تماما كما حصل للقوات البريطانية في البصرة جنوب العراق التي كانت تتعرض لهجمات مسلحين مدعومين من إيران. ذلك أن إيران تغض النظر عن نشاط عناصر متطرفة جدا من طالبان في مقاطعتي فرح ونمروز الأفغانيتين، وهذه غالبا ما تلجأ إلى مناطق البلوش في ايران. ثم ان بعض المجموعات المسلحة في شمال غربي أفغانستان ترتبط بعلاقات جيدة مع ايران، وتتلقى منها أسلحة وذخائر لتواجه قوات الاطلسي في أفغانستان.

على كل، بعد تصريح شيفر، قال قائد القيادة المركزية الاميركية المسؤول عن العراق وافغانستان الجنرال دايفيد بترايوس ان لاميركا وايرن اهدافا مشتركة في افغانستان، تلا ذلك قرار وزارة المال الاميركية بوضع «الحزب من أجل حياة حرة في كردستان» على لائحة الإرهاب. وهذا الحزب لأكراد ايران يقوم بين فترة واخرى بشن عمليات داخل ايران، وهدفه، قلب نظام الأئمة هناك. لكن هذه الخطوة لم تقض على القلق الداخلي الايراني، اذ يبقى «مجاهدين خلق» الموجودين حتى الآن في مخيم «اشرف» في مقاطعة ديالى العراقية، رفضت واشنطن تسليمهم لايران او العراق وتطالب طهران بضمانات بأن هذه المجموعة لن تعيد تنظيم صفوفها وتهديد النظام الايراني. الاتحاد الاوروبي نزع اسم «مجاهدين خلق» عن قائمة الارهاب، مفسحا في المجال أمام أفراده لطلب اللجوء السياسي في اوروبا، على أساس إبقاء «مجاهدين خلق» ورقة بيد اميركا واوروبا للمساومة مع ايران التي تملك في افغانستان ورقة بعض اعضاء طالبان والقاعدة.

واستعدادا للاستراتيجية الاميركية الجديدة المتعلقة بافغانستان، التي ينتهي إعدادها في شهر نيسان (ابريل) المقبل، يعقد هذا الاسبوع مؤتمر على مستوى عال في واشنطن لبحث وضع الحدود الافغانية - الباكستانية يشارك فيه وزيرا الدفاع والخارجية الاميركيان، روبرت غيتس وهيلاري كلينتون، ومبعوث الرئيس أوباما إلى كل من باكستان وافغانستان ريتشارد هولبروك، وقائد رؤساء الاركان الأميركيين الادميرال مايك مولن، وسترسل باكستان وزير خارجيتها وقائد جيشها ورئيس جهاز استخباراتها، كما ترسل افغانستان وزير خارجيتها.

لكن افغانستان تبقى الملعب الخلفي لروسيا، حيث أعلنت وزارة الخارجية الروسية ان الدعوات وُجهت لمؤتمر «منظمة تعاون شنغهاي» حول افغانستان الذي سيعقد في موسكو في 27 الشهر المقبل. وكانت موسكو في اللعبة الاستراتيجية بينها وبين واشنطن، نجحت في إقناع كيرغستان بإغلاق القاعدة الجوية الأميركية «ماناس» في أراضيها. واشنطن تعارض هذا المؤتمر.

وكما أن إيران ورقة بيد موسكو، كذلك لا تريد روسيا ان تتمتع اميركا بسيطرة مطلقة على افغانستان. ذلك ان روسيا مقابل السماح لاميركا بإثبات قدرتها على تحقيق اهدافها في افغانستان، ترغب في ان تجري واشنطن اتصالا بها في كل ما يتعلق بجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، وكذلك مع دول اوروبا الشرقية التي كانت تدور في فلكها. اي لا يكفيها فقط تراجع واشنطن عن نصب نظام صواريخ مضادة للصواريخ في بولونيا وتشيخيا، انما تريد ان تثبت انها ورثت نفوذ الاتحاد السوفياتي السابق في تلك الدول، اضافة إلى تحكمها بمفاعل بوشهر في ايران. وكذلك تلويحها ببيع صواريخ بعيدة المدى للجمهورية الاسلامية.

الجديد في الأمر دخول الصين إلى المسرح الافغاني، ووقوفها إلى جانب باكستان مخففة بذلك النشوة التي شعرت بها ايران، على انها ستكون البديل الذي تحتاج الولايات المتحدة إلى ابوابه، وطرقه ورحمته. فقد وجه الحزب الشيوعي الصيني الحاكم دعوة إلى «حزب الجماعة الإسلامية» في باكستان بقيادة قاضي حسين أحمد الذي توجه في السابع من الشهر الجاري إلى بكين على رأس وفد من ثمانية أعضاء.

وكانت الصين استقبلت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون الاسبوع الماضي ورحبت بمهمة هولبروك، ودعت إلى توسيعها لتشمل الهند ايضا. وتعتبر الصين انه من دون تعاون باكستان، فان اميركا لن تربح الحرب على الارهاب في جنوب آسيا، ولتوفير الاستقرار في باكستان يجب ان يخف التوتر بين الأخيرة والهند، بإيجاد حل لكشمير. الهند ترفض تدخل طرف ثالث لكن الصين متخوفة من ان تستغل الهند ورقة «التيبت» مع اقتراب الذكرى الخمسين في الشهر المقبل، لثورة أبناء التيبت.

دعوة الصين إلى قيادة «الجماعة الإسلامية»، هي محاول لتقوية علاقاتها مع اللاعبين الجدد في المنطقة، خصوصا بعد التطور الذي لحق بـ«سوات» ما بين حكومة باكستان و«طالبانها».

ايدلوجيا، «الجماعة الاسلامية» جزء من الحركة الاسلامية العالمية، وعلى علاقات وثيقة بـ«الاخوان المسلمين» في العالم العربي. وعلاقتها بالصين ليست جديدة، ففي نهاية الثمانينات وبترتيب من الاستخبارات الباكستانية زار قاضي حسين أحمد الصين لإقناع الانفصاليين الإسلاميين هناك بوقف تمردهم.

في افغانستان، ترتبط «الجماعة الإسلامية» بعلاقة متجذرة مع «حزبي اسلامي» بزعامة قلب الدين حكمت يار، كما انها على علاقة ايديولوجية بـ«جمعية اسلامي» بقيادة برهان الدين رباني. وبـ«الاتحاد الإسلامي» لعبد رب رسول سياف.

موقف الصين من «الجماعة الاسلامية الباكستانية» لا يتناقض مع موقفها تجاه «طالبان» في افغانستان، فهي لا ترى مشكلة في مشاركة طالبان في الحكم كجزء من تسوية سياسية، كما انها في لقاءاتها مع هيلاري كلينتون، حثت بكين واشنطن على ان تكون اكثر مرونة مع الاوضاع الحالية في افغانستان، ومع اعترافها بأن افغانستان تنقصها الحداثة التي تجعل منها دولة، صارت الصين ترى ان افغانستان لا يمكن ان تكون دولة موحدة. وهي تلتقي بهذا مع الكثير من دوائر القرار السياسي في الولايات المتحدة وبريطانيا، بأن التوجه الجديد في افغانستان الذي قد يأتي بحل، هو تخفيف تمركز السلطة بحيث تمنح طالبان مسؤولية ادارة كل مناطق الباشتون. ويمكن ان ينطبق هذا على بقية المناطق من الهازارا والطاجيك.

الصين سوف تشارك في مؤتمر موسكو لمنظمة تعاون شنغهاي الذي ستشارك فيه ايران والهند بصفة مراقبين. هي تدرك ان مصير الاستراتيجية الاميركية في افغانستان ليس اكيدا في مواجهة التمرد، وهي في الوقت نفسه تعرف أن الهدف البعيد لأميركا في أفغانستان قد يكون استراتيجيا، لأنها نقطة لقاء بين أوروبا وآسيا. الهدف القريب هو القضاء على تنظيم القاعدة، انما تريد في الوقت نفسه ألا تفشل دول الحلف الاطلسي في اول عملية عسكرية لها خارج اوروبا.

الصين بدأت تثبت ركائزها في باكستان- أفغانستان، ستراقب المواجهة ما بين روسيا والولايات المتحدة في تلك المنطقة. هي تريد تطويق دعم الهند لـ«التيبت» بتأكيد أن استقرار باكستان يبقى الأفضل لاستقرار أفغانستان.

الساحة الأفغانية صارت ملأى باللاعبين الكبار، أميركا، وروسيا والصين، وستبقى باكستان المنفذ الأساسي لأفغانستان. أما إيران، فقد تُهمش دورها الأفغاني المساومة الدائرة ما بين موسكو وواشنطن. وسنعرف توجهها عندما يلتقي وزيرا خارجية البلدين في السادس من الشهر المقبل.