إنعاش ذاكرة: هكذا تكلم المكر الصهيوني

TT

باستمرار كان البحر الأحمر منطقة يحميها المسلمون من أعدائهم لتظل آمنة للحجيج ولسفنهم التجارية. نجح المماليك في تأمينه من القراصنة الأوروبيين، وبعدهم أكدت الدولة العثمانية قوتها بمواصلة حمايته، ليكون بمثابة بحيرة إسلامية كما كان، وكما يجب أن يظل ويكون. لكن يبدو أنه مع ارتداء الولايات المتحدة الطاقية الصهيونية، وإعلانها أحقية الكيان الصهيوني في الاعتداء على الدول المجاورة، وتمكينه من نقل طائراته لتربض على أرض المسلمين، حتى يستطيع أن يمد يده لضرب أي أرض إسلامية متى شاء، بدعوى حماية أمنه من خطر محتمل، لم يعد يهم هذا الكيان العنصري الصهيوني أن يتحفظ في الإفصاح عن أحلامه التوسعية، وقد رأى، منذ وقت طويل، أن البحر الأحمر يجب أن يكون بحيرته هو الخاصة!.

ويجدر بنا الآن أن ننعش الذاكرة بمقتطفات من التقرير الذي كان «معهد موشيه ديان»، في تل أبيب، قد أعده وتم نشره عام 1996. لنتأملها على ضوء أحداث حاضرنا اليوم، الذي يفسر الكثير مما تم تنفيذه، تلبية لنصائح ذلك التقرير، الذي منه ما يلي:

«أحد كبار المحللين الاستراتيجيين لشؤون الشرق الأوسط في إسرائيل يقول إن نشر طائرات إسرائيلية شرق تركيا وانتزاع جزيرة حنيش الكبرى من القوات اليمنية بواسطة إريتريا يندرجان في إطار استراتيجية إقليمية وقائية تنفذها إسرائيل، تحسبا لتهديدات سودانية محتملة تعرض للخطر الخطوط الملاحية في المياه الدولية في البحر الأحمر، ولمواجهة أي تهديد يمكن أن يصدر عن إيران». وتم التنويه إلى أن نشر قوات جوية إسرائيلية شرق تركيا موجه ضد إيران أولا. ومع ذكر أن السودان انضم إلى إيران فيما يتعلق بدعمه حركة حماس، إلا أن مدير المعهد المذكور أكد أن السودان يشكل تهديدا من الدرجة الثانية، وهو دولة فقيرة، وليس بين يديه الإمكانات التي في وسع إيران تطويرها وامتلاكها، ولكن في وسع السودان، مع ذلك، أن يشكل، من وجهة نظر جغرافية، تهديدا محتملا لأحد شرايين الحياة المهمة لإسرائيل، وهو خطوطها الملاحية التي تمر بالمياه الدولية للبحر الأحمر، ونبه إلى الأهمية الاستراتيجية لحركة التجارة الدولية بالنسبة لإسرائيل، الذي يتمحور نشاطها الاقتصادي حول الصناعات التصديرية ذات فائض القيمة المرتفع، لا سيما في اتجاه الأسواق الاستهلاكية، خاصة في الشرق الأقصى، وهذا يجعل الخطوط الملاحية التي تربطها بدول الشرق الأقصى ذات أهمية بالغة، مما يبرر الهجوم الإريتري الذي استهدف السيطرة على جزيرة حنيش الكبرى، تلك السيطرة التي تسهل تحرك إسرائيل في البحر الأحمر للتصدي للسودان الذي يمكن أن يعمد إلى التعرض لحركة ملاحتها!. ويعلن التقرير بوضوح أن أموره تترتب لحاجات مستقبلية قد تنشأ من نشاط أي مقاومة تهب للدفاع عن مصالح العرب والمسلمين ضد المطامع الصهيونية، أو كما أفاد: «.. فإنك لا ترغب في أن تجد نفسك في وضع تكون يدك فيها فارغة من أوراق تلعب بها..!». هكذا يفكرون بكل صراحة، ونحن نمزق ما بأيدينا من أوراق وحقوق باستهانة واستهتار غريبين.

مما هو جدير بالذكر أن «معهد موشيه ديان» يعتبر أحد أبرز المعاهد الأكاديمية التي تقوم بإعداد دراسات عن العالم العربي وإيران وتركيا، وكان ثلاثة من مسئولي المعهد سفراء في واشنطن وأنقرة وعمان، وتؤثر الدراسات والتقارير التي يعدها في طريقة صناعة القرار السياسي للكيان الصهيوني.

التفكير الصهيوني الماكر يتصور أن بإمكانه تسيير دفة العالم وفق مصالحه ورغباته وإرادته، كأن الدنيا قد دانت له، لكن هذا ليس نهاية المطاف، مهما زمجر نتنياهو وعصابته في مغارة اللصوص والقتلة، فلا يمكن لمن هم على الباطل، ويتصورون أن من حقهم الاعتداء، وليس من حق الضحايا المسروقين مقاومة الاعتداء، أن يتم لهم ما يريدون.. لا يمكن!.