لا تهللوا له.. إنه أكثر خطراً عليكم من نجاد

TT

لن يُقّبل خاتمي يد المرشد كما فعل أحمدي نجاد أمام عدسات التصوير، وهو رئيس للجمهورية، وليس متوقعاً إذا ما فاز بولاية ثالثة منفصلة أن يستخدم مصطلحات التحريض والثورة، لكنه لن يغير، أو ـ في أحسن الظن ـ لا يقدر على تغيير النهج الأساسي الذي جبل عليه أهل الثورة، وقد كان أحد مروجي بيانات الخميني، وسار في ركبهم، خلافاً لآية الله الشيخ حسين منتظري مثلاً، الذي اختلف معهم علنا، وزوي أو انزوى مرغماً.

لم تتحول إيران إلى هم كبير لدول الجوار في ليلة وضحاها، والذين يطالبون اليوم بالبحرين، إنما يتغنون بما قام به آخر شاهاتهم. فهل يوقف السيد خاتمي النهج التوسعي الإيراني على حساب دول الجوار، وإلى أي مدى؟ وهل يمتلك القدرة على وقف النشاطات النووية قولاً وفعلا، أم يتخذ المناورة طريقاً لبلوغ الهدف؟ وهل يقبل بالتحكيم الدولي بخصوص قضية الجزر الثلاث؟، وهل يمتلك الصلاحيات الدستورية والقدرة التنفيذية على تفكيك الشبكات المتنفذة للحرس الثوري والمخابرات، التي يهيمن عليها المرشد هيمنة صارمة؟. بالطبع لا.

إنه، بلا شك، مخالف تماماً للنهج المتبع من قبل أحمدي نجاد. ففارق العمر، ومسألة القناعة بتولي المرشد الأعلى علي خامنئي مسؤولية ولاية الفقيه، وسياسة صنع الخصوم، والاستفزاز المستمر للدول العربية، وادعاء العداء لإسرائيل، ومعاداة الغرب، عناصر توسع الفجوة بين النهجين. فنجاد يعتقد، بوحي من المرشد، أن إيران قطعت شوطاً كبيرا في درء عمليات عسكرية واسعة ضدها، ما يجعل التصعيد الدعائي مفيدا لإثبات دور إيران الكبير، ويساعد على نشر المبادئ الخامنئية المجددة للثورة الخمينية، فيما يرى خاتمي احتمالات الخطر أكثر من نجاحات العبور. والعبور إلى أين؟.

طالما لم تتخل إيران عن نواياها وبرامجها التوسعية ومخططاتها في عمليات الفصل والتجزئة بين صفوف الطرف المقابل، فإن سياسة أحمدي نجاد مفيدة للعرب أولاً وللعالم، لأنها تضع إيران ضمن دائرة الضوء المستمر، التي توفر قدرا كبيرا من مسببات المراقبة، وتجعل البلاد العربية أكثر قرباً إلى الغرب، وتتسبب في اتخاذ إجراءات تحول دون بلوغ الهدف الإيراني بسرعة، تمهيدا لإحباطه، وبالتالي يحتفظ العرب بقدرة استعداد عالية، تحسباً للمخاطر المفاجئة، وتدفعهم السياسات الإيرانية المريبة إلى ترتيب أوضاعهم الداخلية، ولو على مستوى الخليج، وبعض الدول العربية الفاعلة، وفي المقدمة منها مصر.

ولو قدر للسيد خاتمي أن يعود رئيساً، فإنه سيلزم الفريق الحكومي العامل تحت إشرافه، التوقف الفوري عن سياسة الاستفزاز، على النطاقين العربي والدولي وإزالة اسم إسرائيل من قاموس التصعيد الغوغائي، وتفادي التحدث إلى العرب عن التاريخ الفارسي، إلا من زاوية إظهار التأثير المتبادل بين الثقافتين العربية والفارسية، وتجديد الحديث عما يسمى بحوار الحضارات، الذي لا يقدم خطوة لمصلحة التغيير في النوايا والأهداف، بقدر ما يكسب الوقت، وإدخال الجمعيات ومراكز الدراسات والأحزاب في جدل يدور في مضمار مغلق، لا خروج منه.

ستكون السياسة الخاتمية مرحّباً بها عربياً، وقبل ذلك غربياً، ودولياً، عسى أن تكون متنفساً لاحتقان استمر ثلاثة عقود، وطبقاً لذلك ستخفف القيود عن إيران. وهذا هو مربط الفرس، وهو موطن الشك، إذا قدر له أن يلجم المتشددين في مؤسسات الدولة والثورة، ومنعهم من إطلاق التصريحات الاستفزازية، وستعطي الحال مبرراً لزيادة التبادل التجاري لمصلحة إيران، مع دول الخليج وغيرها. لكن هل يثبت تقليب صفحات التاريخ أن ثماني سنوات من جمهورية السيد خاتمي كانت مختلفة عن (مبادئ) الثورة؟. لنرجع إلى تلك الصفحات:

هل أوقف خاتمي أو تَدَخَّل في البرنامج النووي خلال سنوات رئاسته؟، وهل التطور الحاصل في مجال الصواريخ البالستية قد حصل في ولاية نجاد فقط؟، وهل وقف ضد سنتين من التدخل السافر في الشؤون العراقية، وطالب فيلق (القدس) بترك العراق لأهله، ووقف تهريب السلاح إليه؟، وهل يمتلك أي شكل من أشكال التأثير على (جنرالات) الحرس وغيرهم ممن يرتبطون بمقر المرشد؟. الجواب على كل ذلك: لا.

لعل من يرى في عودة خاتمي فرصة لتعزيز دور الإصلاحيين وتآكل المتشددين، ولحصول صراع سياسي داخلي بين الطرفين يضعف الدولة الإيرانية ويرجعها إلى جادة الصواب ومنطق العقل.. وهكذا من التمنيات الطيبة. وليت الحال كذلك، ويمكنه إحداث ثورة بيضاء في تغيير نهج الدولة. لكنْ، هل يكفي التغيير في النهج، أم التغيير الشامل في النوايا والأهداف؟. أكاد أجزم بأن هذا ليس رأي أو توجه الرئيس المنتظر.

مشكلة الرئاسة الإيرانية أنها فاقدة السلطة أمام سلطات المرشد الأعلى، الذي يمتلك وحده سلطة القرار في شؤون الأمن والمخابرات والجيش والحرس الثوري والتصنيع الحربي، وهو الوحيد القادر على الإيحاء بنمط التصريحات.

إذاً، لا تهللوا له، ولا تساعدوه إعلامياً وسياسياً على العودة إلى الرئاسة، إلا إذا طرح برنامجاً سياسياً واضحاً يعلن فيه أن إيران التي يريدها ستكون محبة للسلام، وترفض عملياً التدخل في شؤون الغير، ومستعدة للتعاون مع المجتمع الدولي في وقف نشاطات أسلحة الدمار الشامل. أتظنون سيفعل ذلك؟.

أتمنى أن تكون أفكاري (هذه) كلها خاطئة، وأن يستطيع السيد خاتمي قلب الموازين والمساهمة في استقرار العالم.