المرض الذي يفتك بالمشاهير!

TT

جاءت تسمية الحب المرضي للذات بالنرجسية من الميثولوجيا الإغريقية، التي تقول بأن «نرسيس» رأى ذات يوم خيال وجهه على صفحة الماء، فهام عشقا بذاته، واضطربت أحواله، وأرهقه العياء، حتى مات. وتكمن خطورة النرجسية في أن المريض في خضم عشق الذات لا يستشعر الحاجة إلى العلاج رغم ما يسببه المرض من إزعاج لذاته، وأسرته، ومجتمعه، فهو لا يرى أية ضرورة لتعديل مواقفه، وآرائه، وقناعاته، بل على الكون بأكمله أن يتغير ليعترف بعظمته، وتميزه، ونبوغه.

وأكثر من يقع في فخ النرجسية الفنانون، والأدباء، والعلماء، والسياسيون، وإن كانت قائمة ضحايا المرض تضم أشخاصا من مختلف الشرائح، ويصل الاضطراب ببعضها إلى إحساس الفرد بأنه هبة الله لسكان الأرض ليستفيدوا من عبقريته، وأفكاره، ونظرياته. ومن النرجسيين شخصيات ناجحة في مجالات اختصاصها، وإبداعها، لكن من الصعوبة أن تبني جسرا من الألفة بينها وبين الكثيرين، فالنرجسي يتعامل مع الآخرين من عل، ويرى أن امتداحه أو الإشادة به واجب على الجميع، وهو يتبرم بالنقد ولا يطيقه، ويرى ذاته خارج التقييم، وفوق كل الملاحظات، وعلاقته بالناجحين تتسم بالغيرة والحسد، ولذا فهو ينتقي صداقاته من الأشخاص الانقياديين، الذين يسهل السيطرة عليهم، والتأثير فيهم، وهؤلاء غالبا ما يكونون كرماء في المديح، وأسخياء في الإشادة، وطيعين في الاتباع.

وأخطر ما يمكن أن تبلى به المرأة الزوج النرجسي، فهو يحتاج إلى زوجة لديها قابلية الذوبان في شخصيته، فالصواب ما يراه، ولو خالفت بذلك منطق الدنيا، وطبيعة الأشياء، وحقائق العصر، فمن أبرز واجباتها اليومية التغزل في شكله، وفكره، ومظهره، وجوهره، وسلوكياته، ومواقفه، وإلا اعتبرها بليدة، جاهلة، متخلفة، لا تستحق أن تكون زوجة لعظيم مثله.

وفي شارع العمر كثيرا ما نصطدم بمثل هذه الشخصيات الممعنة في عشق الذات، الغارقة في وهم التميز، والتعامل معها يعتمد على مدى فهمك لطبيعة معاناتهم، أو على خاصية مرونتك في تقبل الناس على علاتهم، ولو قدر لك أن تتقبل النرجسي، فليس من المؤكد أن يتقبلك هو. وتتعدد الرؤى حول أسباب المرض وتكثر، ولعل أبرزها ما يرجع إلى طفولة الفرد كناتج لشعور شديد بالنقص، أو تدليل أسري ضل رشده، فتجاوز الحد.

وخطورة النرجسية تكمن في صعوبة علاجها لأنها تفتقر إلى أهم اشتراطات العلاج، المتمثلة في قبول المريض لفكرة العلاج، فالنرجسي، كما أسلفت، شخص غارق في وهم عظمته، فمن يجرؤ على إقناعه بالعلاج؟!

[email protected]