القانون وقحا

TT

المشكلة العاصية في العالم الثالث هي أن الحكومات ترفض التمييز بين القضاء والقدر. وفي الدول العادية يفترض في القضاء أن يكون ملاذاً لطالب الحق وصاحب الظلامة. أما في العالم الثالث فأخشى ما يخشاه هو الوصول إلى القضاء والمثول أمامه، إذا لم يكن صاحب القوة والنفوذ وليس صاحب الحق وطالب العدالة.

قضت محكمة باكستان بمنع رئيس الوزراء السابق نواز شريف وشقيقه من ممارسة العمل السياسي بتهمة الفساد في بلاد السند. وقد سمعنا بأحكام كثيرة من هذا النوع، لكن بمثل علانية هذا الحكم «القانوني» لم يسمع أحد. لكن هذا هو حال باكستان الغارقة في مماحكات سياسية بليدة فيما البلد في أشد لحظاته خطرا. وإذ يختلط القضاء والقدر والمضحك والمبكي، نرى في رئاسة باكستان رجلا أمضى سنوات في السجن بتهمة الفساد، ورئيس وزراء سابقاً يمنع من العمل السياسي بالتهم نفسها. وكانت رئيسة الوزراء الراحلة بنازير بوتو قد بقيت في الخارج سنوات عدة بسبب ملاحقتها بتهمة الشراكة مع زوجها في تلك التهم، فإذا هو في الرئاسة وهي في الغياب.

صدر الحكم «القانوني» بعد أسبوع واحد على توقيع الحكومة الباكستانية اتفاقاً للتخلي عن سيادتها في إقليم سوات، في أخطر سابقة انفصالية منذ نزع بنغلادش من صلب باكستان بالقبضة العسكرية الهندية. وهذا الأسبوع علت أصوات في الكونغرس تطالب بوقف المساعدات عن باكستان لأنها أخفقت في محاربة طالبان. والواقع أن الاحتمال الآن هو أن تظهر قوة طالبان في باكستان لا في أفغانستان. وسوف تسحب أميركا قواتها من العراق لكي تركز، هي وحلفاؤها، على الجبهة الأفغانية التي هي امتداد بشري وعسكري للجبهة الباكستانية المتداعية.

كانت باكستان اليوم أحوج ما تكون إلى حكومة وحدة وطنية، أو حكومة مصير وطني. فالعاصمة الرسمية إسلام أباد لا تبعد عن سوات أكثر من مائة كيلومتر. وسوف يفرح العاملون على تهديم الوحدة المركزية عندما يرون أن الهم الأول للحكومة هو استصدار حكم يمنع نواز شريف من ممارسة العمل السياسي. لكن المشكلة أن باكستان ليست قضية داخلية تتلهى بحكم قضائي مضحك في علانيته، بل هي قضية إقليمية وربما أبعد من ذلك أيضا. وإذ تتصدى سوات لإسلام أباد على أطرافها يمضي القضاء في العالم الثالث في لعبته مع القدر.