العولمة.. والخلايا الإرهابية

TT

صادفت إطلالة وجه الإرهاب القبيح في القاهرة، انعقاد مؤتمر الأمن الثاني لوزارة الداخلية البحرينية بشراكة المعهد الملكي لدراسات القوات المسلحة المشتركة البريطاني.

الرابط أكثر من مجرد معالجة المؤتمر على مدى يومين الإرهاب، ضمن عوامل أخرى، كأكبر مهدد للأمن القومي لأي بلد، والأمنين الإقليمي والعالمي، فالاتصالات الحديثة ربطت الأمن القومي بالأمن العالمي.

سلطت بعض الأوراق الضوء على عولمة الأرضية التي تقف عليها خلايا إرهابية، كالتي فجرت قنبلة ساحة مسجد الحسين، ولو كان وراءها دولة أو دول راعية للإرهاب، أو المسؤول فرد أخلت الأفكار المنحرفة باتزان عقله، فالمسؤول الأول الايدولوجيات الشريرة كمولد طاقة الإرهاب العالمي.

جاءت مداخلات بعض المتحدثين في حوار المنامة، كجزء من المشاكل نفسها وليس حلا لها بارتكازها على أفكار ونظريات، ماتت منذ أربعة عقود، تعرقل التعاون الفعال بين البلدان.

سلط آخرون الضوء على مسؤولية الإعلام، خاصة الفضائيات الغوغائية، عن إثارة مشاعر أفراد أو جماعات بتقارير وصور مبثة، خارج سياقها التاريخي والجغرافي والثقافي، فتؤثر، كالسحر الشرير، على شباب ضحل المعرفة لسوء وتخلف مناهج التعليم في كثير من الأمم الإسلامية والناطقة بالعربية.

كثير من المناهج سلبت التلاميذ موهبة الاجتهاد المستقل في تفسير النصوص المقروءة والصورة التي تتلقاها هوائيات عقولهم الغضة.

فكم من مدارس العرب تدرب التلميذ على فلسفة التحليل العقلاني المنطقي بدلا من أسلوب الامتحانات؟

فالأخير جعل من حفظ النصوص عن ظهر قلب أولوية يلهث وراءها التلميذ قبل البحث عن أدلة تقنع العقل وتساعده على تفسير ما يتلقاه – كحال المناهج الغربية.

قولبة عقل التلميذ تسهل مهمة أئمة الشر ودعاة الكراهية في سكب تفسير ملتو للدين في آذانهم فور رؤيتهم صورا استفزت مشاعرهم دون المرور بعقولهم، فيتحول بعضهم لانتحاريين مصدقين أنهم شهداء مثواهم الجنة.

ولو دربوا على البحث المستقل واجتهدوا في التفسير بأنفسهم لاكتشفوا أن الانتحار في الإسلام جريمة آثمة مثل قتل الأبرياء.

تناول المشاركون تهديدات كسعي إيران لامتلاك السلاح النووي وتهريب الأموال وآثار الأزمة الاقتصادية العالمية، والإرهاب. لكن غاب عن الأجندة قضية الصراع بين التخلف والحداثة كنافذة يتسلل منها الإرهابيون.

أقصد بالتخلف، الركود، واعتبار نظريات ثبت خطؤها «ثوابت للمجتمع وثقافته».

أما الحداثة فهي تبني المفاهيم التحديثية التي تمنح العقل طاقة ابتكار المخترعات المتقدمة التي منحت الغرب التفوق التاريخي.

فتبني وزارة الداخلية البحرينية المؤتمر نفسه وحشدها الأكاديميين والمفكرين من مختلف الجنسيات، يعني احتضان البحرين لأسلوب الحداثة كأرضية مهمة للإصلاحات السياسة التي شهدتها المملكة على مدى عقد كامل.

مثلا، فور هبوطي البحرين، احتجت لعلاج بسيط لكن لا يحتمل التأخير، وكان في انتظاري صديق نبهته للأمر بتليفون الطائرة. كان البوليس يمنع دخول السيارات للشارع الموصل لمستشفى الارسالية الأميركية. شرحنا لرجل البوليس البحريني أننا في عجلة، فأزاح، بأدب جم، حاجز الطريق وأشار لسيارتنا بالمرور دون أن يسألنا مرتين.

من العبث طبعا اعتبار أن كل شرطي بحريني بالكياسة نفسها لكن قصدت من سرد الحكاية أن أسلوب التعامل المتحضر وصل بالفعل من القمة – أي القيادة السياسة- إلى القاعدة كتطبيق، ولو بصورة مصغرة لمفهوم الحداثة في تدريب أفراد البوليس على التعامل مع الشعب. فقد أوصلني أكثر من ضابط برتبة عالية بسيارته الخاصة عندما يلمحني أتحرك بصعوبة بسبب جراحة أجريتها في العمود الفقري.

لكن «الحلو مايكملش» حسب المثل المصري. فنقطة إشكالية الحداثة التخلف كمنفذ للإرهاب لم تغب فقط عن جدول أعمال المؤتمر، البالغ الثراء، بل لوحظ أيضا عدم الانضباط في إدارة جلستين؛ الأولى تناولت الأمن والمخابرات ودور الإعلام.

فرغم حضور اثنين من المخابرات واثنين من الأكاديميين، والبارونة بولين نفيل-جونز، وزيرة الأمن القومي في حكومة الظل البريطانية، اقتصر تمثيل الإعلام على مدير تلفزيون الجزيرة القطرية، وغاب عن المنصة صوت الصحافة الغربية، وكان كاتب هذه السطور المشارك اليتيم من الصحافة البريطانية، صامتا، في القاعة.

رئيس الجلسة، الدكتور توبياز فيكين، كان مهتما بمدخلاته – التي حاول فاشلا أن يجعلها فكاهية - بين كلمات المتحدثين، بدلا من ضبط الجلسة وإلزام المتحدثين بالوقت المخصص؛ والنتيجة لم يبق وقت لمداخلات المشاركين وبعضهم أكثر خبرة ودراية من الجالسين على المنصة.

مدير الجزيرة بالغ في التعميمات والادعاءات، غير المدعومة بأدلة، بأن محطته وحدها تنقل الحقيقة، بينما يكذب بقية إعلام العالم. ولم يتح لأحد فرصة مساءلته عن أدلة ادعائه بأن الصحافيين الغربيين لا يغادرون الفنادق ويغطون أحداث العالم الإسلامي بشكل مسطح. وهذا غير دقيق، فطوال عملي أربعين عاما في الصحف البريطانية لم أصادف من الزملاء من ينطبق عليه/ها هذا الادعاء. الواقع أن جميع المراسلين في المنطقة ومحرري ديسك الشرق الأوسط هم أكثر صحفيي العالم خبرة بالشرق الأوسط، ولهم عشرات المؤلفات. (الطريف أن الصحافي الوحيد في بيروت، الذي يطابقه وصف مدير الجزيرة، يجعله غياب الدقة «حبيب ودلوعة» الفضائيات لمعاداته أميركا وإسرائيل).

غياب بحث من صحافي غربي خطأ لا يغتفر جعل دراسة دور الإعلام في المؤتمر غير مكتملة.

الخطأ نفسه تكرر في جلسة «تحديات الأمن القومي البحريني في منطقة الشرق الأوسط الكبير من منظور إقليمي» عندما استحوذت أكاديمية من جامعة الإمارات على معظم وقت الجلسة، لتلقي على أسماعنا خطبة حماسية لا ينطبق عليها وصف الدراسة الأكاديمية.

قراءة في التاريخ – من منظور مقلوب ومغلوط – بحماسة وتشنج، أبو حمزة المصري مناديا ثوار المسلمين بامتشاق الأحزمة الناسفة لحرق «الكفار».

لم يرد الحضور «بالروح بالدم نفديك يا أم الجهاد»، بل قابلوا بالتثاؤب خطبة ملخصها: ضرورة تأجيل التعاون بين بلدان الخليج وبعضها والتنسيق بين أجهزة الأمن في البلدان التي تتعرض للخطر نفسه. حتى يتم تحقيق هدفين، «الوحدة العربية الشاملة»؛ و«تحرير فلسطين».

وأضاعت الأستاذة وقت الجلسة دون أن يتمكن المؤرخون، وخبراء الاستراتيجية في القاعة مناقشة الأطروحة القومجية بأن تدير بلدان الخليج الخد الآخر لقنابل الإرهابيين، انتظارا لتحقيق وهم إقناع الشامي والكردي والأمازيغي والاشوري والنوبي بأنهم عرب (!) في دولة واحدة عاصمتها طرابلس أو دمشق (تسقط بغداد من الحسابات لأن العراقيين راحوا ضحية الديمقراطية العربية الوحيدة القادرة على تغيير حكومتها عبر صناديق الاقتراع، وحرموا من شرف حكم الحذاء العسكري البعثي العربي الوحدوي) أو تكون عاصمتها القدس بعد تحقيق الشرط الثاني.

ونتمنى أن تعالج هيئة المؤتمر النقص في العام القادم.