لمن يجب أن تكون إسرائيل؟

TT

بعد أن أقامت الأمم المتحدة دولة إسرائيل بيوم واحد، وجد أول رئيس للدولة حاييم فايتسمان وقتا لكتابة مذكراته التي حملت عنوان «التجربة والخطأ»، وفيه وجّه تحذيرا إلى زعماء إسرائيل في الوقت الحالي: «أنا واثق من أن العالم سيحكم على الدولة اليهودية من خلال ما ستفعله مع العرب». وكان ذلك في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1947. وكان فايتسمان رجلا بارعا على نحو مذهل، فكان كيميائيا ودبلوماسيا ورجل سياسة، ولكن قد تكون أكثر قدراته تميزا هي قدراته على استشراف المستقبل. فعن طريق ذلك أبصر التحول القبيح الذي دخلت فيه السياسة الإسرائيلية في الفترة الأخيرة، وكيف أصبح من المقبول الآن الحديث بطريقة بغيضة عن العرب الذين يبلغ تعدادهم 1,3 مليون نسمة في الدولة. وكتب: «لا يجب أن يكون هناك قانون لليهود وآخر للعرب».

قد يكون تحذير فايتسمان غير معروف لدى أفيغدور ليبرمان، المهاجر من جمهورية مولدوفا التي كانت تتبع الاتحاد السوفياتي السابق، وأحد أهم قادة إسرائيل السياسيين في الوقت الحالي. احتل حزب ليبرمان، إسرائيل بيتنا، المركز الثالث في الانتخابات التي عقدت أخيرا، مما يعني أنه بالتأكيد سيكون جزءا من الحكومة المقبلة. وأحيانا يطلق على ليبرمان وصف «قومي»، قد يكون كذلك، ولكنه أيضا زعيم يطلق خطب الإثارة ضد العرب. والعرب الذين يكرههم ليبرمان ليسوا أعداء إسرائيل التقليديين، سواء في غزة أو الضفة الغربية أو في أي مكان آخر داخل منطقة الشرق الأوسط، ولكنه يركز بدلا من ذلك على عرب إسرائيل، وهم يشكلون نحو 20 في المائة من السكان. إنهم مواطنون مثله، بعض منهم مشكوك في ولائه، هذا صحيح، ولكن معظمهم لديه مظالم حقيقية، وهذا أيضا صحيح. في الواقع يريد ليبرمان أن يستبدل بهم المستوطنين اليهود الذين يعيشون حاليا على نحو مستفز في الضفة الغربية المحتلة. ولكنها فكرة نصف جيدة.

إن قضية عرب إسرائيل معقدة، فهم ليسوا يهودا ولكن من المنتظر أن يكونوا مخلصين للدولة اليهودية. إنهم عرب، ولكن من المنتظر منهم أن يقفوا مستعدين بينما زملاؤهم العرب يُضربون، كما هو الحال في غزة، بالأسلحة الإسرائيلية.

ولم يكن فايتسمان حالما، فسريعا ما أصبح القرن الذي عاش فيه، القرن العشرون، أكثر القرون دموية في التاريخ. لقد كان العالم يعاني من الانغماس في الإبادات الجماعية والتطهير العرقي ونقل السكان - اليونانيون مع الأتراك، والأتراك مع اليونانيين، والألمان مع البولنديين، والبولنديون مع الألمان - والصراع المستمر منذ عقود طويلة، وانتهى بالهولوكوست، وتبعه طرد ملايين من الألمان من أوروبا الشرقية. وقد قامت دولتا باكستان والهند بطريقة مشابهة، استبدال شعب مكون من عدة ملايين من الناس. كانت هذه هي الطريقة التي تحدث بها الأشياء.

ودخلت إسرائيل أيضا في عملية التطهير العرقي، وإلا لماذا نجد كل هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين؟ ولكن كانت المحاولة غير منظمة وليست ناجحة تماما، كما نرى. والأمر الأكثر أهمية هو أن هذا المفهوم كان محل بعض الأعضاء المهمين في المؤسسة الصهيونية أمثال فايتسمان. ولا يمكن أن يأتي أسلوب العالم، الذي يتخلص من الأقليات العرقية، على يد الأقلية العرقية ذاتها التي لاقت أكبر قدر من المعاناة.

يمكن أن تعقد إسرائيل اتفاق الأرض مقابل السلام، وليس العرب مقابل اليهود، فهذا من شأنه أن يترك مساحة خالية، ليس فقط في المكان الذي كان يسكن فيه العرب، ولكن حيث كانت إسرائيل تحتفظ بقيمها.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»