طال المطال يا حلوة تعالي..

TT

هناك «حالة» سياسية جديدة في منطقة الشرق الأوسط، وأهم ملامح هذه الحالة هو الحوار العقلاني الحاصل اليوم مع سورية، والذي بدأ وانطلق بقوة بعد مبادرة الصلح التي قدمها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال مؤتمر القمة العربية الأخيرة بالكويت. وقد انطلقت روح المبادرة هذه من خلف الكواليس السياسية إلى واجهة الأحداث، ولم يعد غريباً مشاهدة كبار المسؤولين في البلدين ينتقلون لمقابلة الحكام وتفعيل السياسات والمواضيع العالقة بينهما. سورية موقعها في قلب العالم العربي، وهذا طرح ليس من باب المزايدة ولكن من باب الحقيقة التاريخية المؤكدة لذلك، واليوم هناك ظروف إقليمية وعالمية بالغة الأهمية تتطلب التركيز بقوة على إعادة سورية إلى الأحضان العربية بشكل مسؤول ومدروس، تكون فيه المسائل والتحديات والالتزامات والأدوار واضحة ومتفقاً عليها لكل الأطراف، وذلك من أجل أن تكون التوقعات واقعية ومنطقية ومن دون أية مبالغات دون أن يؤثر طرف على آخر عملا بالحكمة المعروفة «لا ضرر ولا ضرار». العلاقات السورية مع بعض الدول العربية المؤثرة شهدت اضطرابات حادة جداً، وهذه مسألة ليست بخافية على أحد، ولكن المسألة اليوم باتت تتطلب علاجاً جاداً وجذرياً للفجوة الهائلة الموجودة بينهم جميعاً. أسباب الخلاف معروفة، ويبقى التحدي الأكبر في أساليب العلاج. الملف اللبناني كان هو الموضوع الأكثر أهمية والأكثر إثارة للجدل، ومنه طبعاً يتفرع ملف اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري وتوابعه. وهذا طبعاً بات أكثر الملفات خطورة وتعقيداً. ولا يمكن أيضاً إغفال الدور السوري مع بعض الكيانات العربية المؤثرة مثل «حزب الله» و«حماس» وآثار ذلك على سياسة بلادهما وعلى توابع ذلك بالمنطقة عموماً. والمهم اليوم أن تبدأ الدول العربية المعنية بالتطورات الأخيرة هذه، في التوقف قليلا والتمعن بوعي وإدراك لخطورة ما يحدث و«الثمن» الذي ستتكبده شعوب المنطقة نتاج الاستمرار في السير في نفس السياسات السابقة التي لم تقدم أي شيء حقيقي يذكر سوى تأجيج الخلافات والفتن إلى درجة أشبه بحالة الحرب المستعرة. اللبنانيون عليهم أن يدركوا أن سورية لها دور ليس ككل الأدوار، فهي الامتداد التاريخي والاجتماعي لأكثر من 80% من الشعب اللبناني بطوائفه وخلفياته المختلفة، وهذا يتطلب علاقة فيها الكثير من الخصوصية التي تنعكس على تفاضل في الشأن الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، ولكن هذا يجب ألا ينعكس أبداً على أن يكون هناك مراكز قوى وعناصر أذى داخل الكيان اللبناني يعمل لصالح سورية بالشكل الذي كانت عليه. فاليوم هناك كيانان مستقلان ومطالبان بأن ينعكس هذا على العلاقة بين البلدين دون أن تكون علاقة رئيس ومرؤوس. ملف اغتيال الحريري، هناك محقق دولي وهناك قائمة من المتهمين، ومن المفترض أن تكون هناك أدلة، وبالتالي عناصر الجريمة والمحاكمة من الجانب النظري على أقل تقدير موجودة، وتبقى ضرورة عدم «تسييس» المحكمة حتى تأخذ العدالة مجراها بشكل سوي ومتوازن وعاقل. أما عن الكيانات السياسية الأخرى فيجب أن توجه «داخل» الخط الوطني لبلادهم ولا «يسمح» لها بأن تكون عنصر تخريب «داخلي» وأداة فتنة وسبب اقتتال، وهذا دور قامت به سورية سابقاً وبجدارة وامتياز، وبظني وظن الكثيرين أنها قادرة جداً على أن تقوم بعمل ذلك مجدداً. سورية بإمكانها أن تقوم بعمل قيادي ومحوري داخل المنظومة العربية وكما يليق بمكانتها، وبإمكان الدول العربية إدخال سورية ضمن الخطط الاقتصادية التوسعية والتنموية التي طالت الأردن ومصر (ومن فترة كان للبنان نصيب منها)، فالوضع الاقتصادي بسورية إذا ما تم «السماح» بأن تكون موضع قدم مهنياً ومحترفاً للأموال الاستثمارية العربية، ينذر بعواقب مادية قياسية وخصوصاً مع ندرة الفرص الاستثمارية الجادة في ظل الانهيار المالي الحاصل نتاج الأزمة الاقتصادية العالمية الكبرى. سورية مكانها ومكانتها العربية بحاجة للدعم حتى تعود لوهجها الأول، واليوم مع قرب وصول الرئيس السوري للعاصمة السعودية الرياض في تتويج واضح وإشارة كبيرة إلى تطور العلاقات العربية عموماً، والسعودية ـ السورية تحديداً، يبقى الأمل قائماً، وعن جدارة، في أن تتم ترجمة حالة «حسن الظن» القائمة اليوم إلى نتائج ملموسة قادرة على تحقيق أفضل النتائج وتغيير الواقع على الأرض وإعادة زرع الثقة بين الناس. وهذا وحده إنجاز لا يمكن التقليل منه.

[email protected]