الرمزية الكويتية في زيارة وزير الخارجية

TT

يوم الخميس الماضي - 26 فبراير (شباط) - كان الذكرى السابعة عشرة لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي لها عام 1990. كانت يوم 26 فبراير 1991 يوم تحرير الكويت وعودة الحق إلى أصحابه. شهد اليوم نفسه زيارة نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي الشيخ محمد الصباح إلى بغداد. كانت الزيارة تاريخية لأنها زيارة أول مسؤول على هذا المستوى من الكويت إلى بغداد منذ العام 1990.

توقيت الزيارة يحمل دلالات عدة وتميز بالشجاعة والرمزية: زيارة بغداد في ظل ظروف أمنية غير مستقرة يعد شجاعة بحد ذاته، فيكفي أن زيارات المسؤولين الدوليين لبغداد ما زالت تتم دون إعلان مسبق عنها. والشجاعة الرسمية الكويتية الثانية تكمن في توقيت الزيارة مع ذكرى تحرير الكويت مع ما سيصاحب هذا من احتجاج صحافي وبرلماني في الكويت على عودة العلاقات بين البلدين - ناهيك عن توقيت عودتها على هذا المستوى في هذا اليوم بالذات. والكويت بلد ديمقراطي (بمعايير المنطقة) وفيه حرية الاحتجاج على كل ما تقوم به الحكومة. بعض سينتقد توقيت الزيارة لما فيها من تجاهل لمشاعر آلاف الأسر الكويتية التي فقدت أبناءها شهداء وأسرى ومعذبين طيلة فترة الاحتلال البشعة، وبعض سينتقدها لأنه ضد عودة العلاقات بين البلدين حتى تختتم الاستحقاقات التي يرى معظم الكويتيين أن الاعتذار عن غزو بلادهم واحد من أهمها على الإطلاق.

الزيارة بتوقيتها حملت دلالة النوايا الكويتية الصادقة تجاه العراق، وهي نوايا لم تتوقف الكويت عن التصريح عنها منذ اليوم الأول لاجتياحها عام 1990، ومفادها أن الكويت كانت وستبقى دوما تولي أهمية متميزة للعلاقة مع العراق والشعب العراقي، وأنه- وعلى الرغم من جراحات الغزو- إلا أن قدرنا أننا والعراق جيران شركاء في جني ثمار الاستقرار والتنمية والتعايش، مثلما كنا معا ضحايا العدوان وسياسات العبث الدكتاتوري العراقي التي قادت إلى مآس ودمار على الشعبين. عبرت الكويت عن هذا الموقف في أحلك ساعات تاريخها ظلاما وهي تحت الاحتلال في مؤتمر الكويت الشعبي الذي عقد بجدة عام 1990م. في ذلك المؤتمر، فرقت الكويت بين العدوان وبين الشعب العراقي والإنسان، وأكد المؤتمرون وحدة المصير بين الشعبين للتخلص من الدكتاتورية والعدوان. وهو ما التزمت به الكويت- حكومة وشعبا- حتى تحقق عام 2003م حين كانت الكويت البلد الوحيد في العالم الذي انطلقت منه عملية إسقاط صدام حسين ونظامه. لم يكتف الكويتيون بتحرير بلادهم والتخلص من صدام حسين، بل بقوا على موقفهم ضد الصدامية حتى سقطت ليؤول الأمر للعراقيين- على الرغم من كل إخفاقات ودموية وفوضى مرحلة ما بعد سقوط صدام. توقيت الزيارة يعني أن الكويت ماضية في انتهاج كل ما من شأنه خلق أجواء من التفاهم والتعايش وإعادة بناء العلاقات على أسس من الثقة والوضوح وعلى أساس مصلحي يحتم التعاون كخيار وحيد لا ثالث له لمصلحة الشعبين الجارين. ورمزية توقيت الزيارة أن الكويت مستعدة لتجاوز جراحات الماضي بزيارة العراق في يوم تحرير الكويت من احتلاله.

يدرك العراقيون أهمية أن الزيارة أتت من مسؤول دولة جارة ليس لها أطماع في العراق: فلا طموح كويتيا «لبعثنة» العراق، ولا «لفرسنته» ولا «لتشيعه» أو «تسننه»، ولا لتحويله قاعدة «للقاعدة» ولا حتى لتتريكه، بل لعل الزيارة الكويتية هي الأصدق بين الزيارات التي تفاوتت على بغداد، فهدفها كما أعلن عنها: بناء الثقة وتفعيل عمل اللجنة الكويتية- العراقية العليا التي ستعقد أولى جلساتها برئاسة رئيسي وزراء البلدين في بغداد الشهر القادم.

زيارة وزير الخارجية الكويتي لبغداد شجاعة ورمزية.