مشكلة السنيورة إعلامية

TT

علقت في مقال سابق على أهمية الشفافية حول ما يقدم للناس من معونات بتفاصيلها المملة، لأن الناس بطبعهم يرتابون في السياسيين. وذكرت بما يقال حول المعونة السعودية لإغاثة لبنان بعد كارثة حرب الصيف عام 2006، من استخدام بعضها لتمويل حاجات الخزينة الرسمية اللبنانية.

ورغم أن مقالي لم يكن موضوعه لبنان، بل كان عن غزة، تلقفته بعض وسائل الإعلام اللبنانية للتدليل على «فساد» الحكومة. الحقيقة، قناعتي قبل وبعد ما كتبته، هو أن فؤاد السنيورة، رئيس الوزراء اللبناني، أكثر ساسة لبنان نزاهة. وفي رأيي، أيضا، مع أن السنيورة رئيس وزراء جيد إلا أنه إعلامي فاشل. فقد ظل صامتا، إلا من مرات نادرة تحدث فيها عن نشاط الإغاثة الواسع، الذي تشرف عليه حكومته. ومن المهم أن أقول إن السبب الرئيسي في منح المساعدات المالية الكبيرة مباشرة إلى السلطة في لبنان، هو ثقة المجتمع الدولي في إدارة السنيورة، الذي عرف بالنزاهة منذ أن كان وزير مالية.

وعندما سألته لماذا لا يجعل نشاطات إعادة الإعمار معروفة، دلني على موقع إلكتروني للحكومة وضع عليه تقريبا كل المعلومات الدقيقة، بما فيها المراسيم والمكاتبات مع الحكومات المانحة، وأوجه الإنفاق، ولمن، بل ووثقت المنح بالأسماء للمستفيدين. قال إن السعودية دفعت 580 مليون دولار، أنفقت على أكثر من 112 ألف وحدة سكنية، مع إعادة بناء جسور، وطرق، ومدارس، ومراكز خدمات أصيبت من جراء القصف الإسرائيلي. عملية الإعمار الهائلة شملت كل المناطق المتضررة، بما فيها إعادة بناء وترميم مواقع أصيبت في الضاحية الجنوبية. وقال إنه رغم كرم المعونات من السعودية والكويت وعمان والعراق، بقيت هناك حاجة إلى أكثر من أربعمائة مليون دولار لإكمال إعادة بناء ما تبقى من المواقع المتضررة، وهنا اضطر للاستدانة من البنك الدولي.

من حظ اللبنانيين أن فؤاد السنيورة هو رئيس وزرائهم في واحدة من أصعب الأزمنة في تاريخ لبنان المعاصر. وأقول إنهم محظوظون، لأنه رجل بلا لون سياسي، رغم انتمائه لتيار المستقبل، مما حفظ للحكومة توازنها وقت كان مطلوب إسقاطها. وبالتأكيد من حظهم، لأنه بعد حرب صيف 2006، كان يمكن للبنان أن يبقى مدمرا، وبعض شعبه مشردا، ويستمر السياسيون في نزاع على الأموال وكيفية إنفاقها.

لكن، كما ذكرت من قبل، مشكلة السنيورة أنه رجل ينفر من الدعاية، ولو كان رئيس آخر غيره لرأينا صوره أمام كل مدرسة، وبيت، وعمارة، وجسر، ومطار، تم إعادة بنائها. ولأنه لم يبال بالدعاية صار هدفا سهلا لخصومه، الذين يشنون حملة مستمرة، يتهمونه بما يشاؤون، رغم أنه يبني مدارس لأبنائهم ويعمر بيوت ناخبيهم، وأهم من ذلك لم يلمهم على الدمار والتشريد، مع أنهم مسؤولون مسؤولية مباشرة عن ما لحق بلبنان. الرجل لم ينطق حتى بكلمة لوم واحدة، بل أمضى عامين يجمع لهم المساعدات وينفقها عليهم. سألته لماذا لا تدافع عن نفسك، لماذا لا تقول لهم أن يطلبوا من إيران أن تفي بوعودها بمساعدة مواطنيهم، لماذا لا تعلن أنت أنها تراجعت عن وعودها للبنان؟ قال، يا أخ عبد الرحمن لا أريد أن أدخل في جدل سياسي مع أي طرف. الحقيقة أن السنيورة أصلح، وعمر، ورمم، في عامين فقط ما لم يفعل مثله سياسي لبناني آخر في عقود.

[email protected]