الصومال ليس «باب الحارة»!

TT

لا بأس في أن يهرع أبناء الحي الواحد إلى «الشيخ» أو العمدة من أجل أن يتوسط بينهم ويحل مشاكلهم وديا، لكن الغريب هو أن يقوم شيخ بوساطة من أجل إحلال سلام في دولة مزقتها الحروب الأهلية، فذلك دليل على عمق الأزمة العربية وسوء حالها.

استجابة الرئيس الصومالي شيخ شريف شيخ أحمد إلى مبادرة الشيخ يوسف القرضاوي من أجل الوحدة والحوار والمصالحة بين الفرقاء بالصومال، لا يمكن وصفها إلا بأنها دليل على العجز العربي، إن كان على مستوى الدول، أو على مستوى الجامعة العربية.

فالرئيس الصومالي يقول في رده على مبادرة الشيخ القرضاوي، إنه يتمنى «أن يستجيب الإخوة لنداء الشيخ القرضاوي، وأن يجري الخير على يديه، ويجعل الله من فضيلة الشيخ سبباً للم الشمل للانطلاق لبناء الصومال من جديد».

والسؤال هنا: هل الصومال هو مسلسل «باب الحارة» حتى يأتي الشيخ متوسطا، ومن ثم يلتئم شمل أهل الحي وتذوب الخلافات ويعم السلام، هكذا بكل بساطة؟ بالطبع لا، فالأوضاع في الصومال أعقد من ذلك بكثير.

الصومال دولة منهارة بمعنى الكلمة، حيث تعاني من غياب الحكومة المركزية، وغياب كل مقومات الدولة، حتى أن الرئيس الصومالي الجديد يقول إنه لا يستطيع أن يؤكد وجود القاعدة في الصومال، ثم يضيف قائلا «إن الفكر الجهادي قد انتشر فيها». هذا في الوقت الذي تشير فيه تقارير كثيرة إلى تغلغل القاعدة في الصومال، ولا غرابة في ذلك فالقاعدة لا تنتشر إلا في الدول الخراب، ولكن إقرار الرئيس الصومالي بوجود ما وصفه بالفكر الجهادي هو خطر في حد ذاته؛ لأنه بيئة حاضنة ومفرخة للقاعدة.

وفوق هذا وذاك، فالملاحة في البحر الأحمر تواجه خطرا حقيقيا ينعكس على الملاحة الدولية، وتحديدا على اقتصاد وأمن الدول المطلة على البحر الأحمر، وذلك بالطبع نتيجة الفوضى والقتال الأهلي في الصومال.

إذا كان هذا هو واقع الصومال، فكيف يكون بمقدور الشيخ القرضاوي حل مشاكل تلك الدولة؟ وإذا كان القرضاوي لم ينجح في وساطته مع طالبان يوم قررت هدم التماثيل، فكيف سينجح في إعادة الاستقرار إلى الصومال؟

وهنا حري بنا أن نتذكر ذاك الوفد الإسلامي الذي ذهب إلى بغداد بحجة التوسط مع صدام حسين أيام احتلال الكويت، وكان من ضمنهم طيب الذكر الشيخ حسن الترابي، وكادوا يومها أن «يبيعوا» دولة الكويت لصدام حسين، فهل في ذلك عبرة؟

لكل ذلك، فإن الحديث عن وساطة القرضاوي في الصومال أمر لا يبعث على التفاؤل بقدر ما أنه يبعث على الإحباط، وذلك نتيجة القصور العربي على مستوى الحكومات والجامعة العربية، بسبب الفشل في فهم خطورة ما يحدث في الصومال.

وكل ما نتمناه على الشيخ يوسف القرضاوي، هو المبادرة لمراجعة كثير من فتاواه التي أطلقها من قبل والتي تجيز العمليات الانتحارية، فبذلك يكون الشيخ قد ساهم في استقرار الصومال من خلال منع الصوماليين من القيام بعمليات انتحارية.

[email protected]