سيرة الشقيق

TT

ماذا تفعل إذا كنت شقيق محمد الماغوط؟ تحاول أن تكتب سيرته. أو شيئاً منها. أو الجزء المتعلق بمعرفتك للشقيق الذي ظل حوالي نصف قرن علامة فارقة في الأدب العربي الحديث، لا يقلِّد ولا يقلَّد، لا في شعره ولا في نثره، وكلاهما كان شعراً في أي حال.

«محمد الماغوط: مسائل الجوع والخوف» محاولة وضعها عيسى الماغوط للحديث عن شقيقه الأصغر الذي عاش طفولته في السلمية في كوخ ليس فيه عنب ولا تفاح ولا حلوى، وفيه على الدوام كومة من الزبل (الروث) تستخدم للتدفئة. وفي هذا البيت المبالغ في الفقر، يموت الأشقاء الرضع من الجوع أو المرض أو البكاء أو الملل.

من هذا الكوخ، يخرج محمد الماغوط إلى كلية الزراعة، المدرسة الوحيدة التي توفر العلم والطعام. ومن الريف السحيق الساحق يأتي إلى دمشق، وتبهره أضواء المدينة، ويخدره مقهى «الهافانا» حيث يلتقي أدباء العاصمة ويشجعونه على الكتابة والنشر، وبعدها إلى بيروت، حيث ينضم محمد إلى حركة مجلة «شعر». وسوف يقول فيما بعد إنه فعل ذلك لأن يوسف الخال كان يقدم العشاء في اللقاءات. وكذلك قال عن انضمامه إلى الحزب السوري القومي بدل حزب البعث.

واجه الماغوط الحالة القصوى من الفقر بالحد الأقصى من السخرية. وملأ الدنيا «حزناً في ضوء القمر». لكن عيسى الماغوط يضيف بعض التفاصيل المحزنة والمؤلمة التي لم يشر إليها الشاعر في استعاداته الكثيرة لسنوات الشقاء الطويلة. لكن المؤسف أنه يفعل ذلك بشيء من التكرار، بحيث لا نعود نعرف كم رضيعة ماتت في البيت أو كم مرة ماتت الرضيعة نفسها. وهذه بالتأكيد مسؤولية الناشر (دار المدى) الذي عودنا على مهنية مشهودة.

وقد صرح في إحدى مقابلاته الأخيرة ـ وكانت نادرة جداً ـ بالقول: «أنا مليونير»، لكنني لا أعتقد أن أحداً اتخذ هذا التصريح على محمل الجد. فقد كان صعباً على رجل مثل محمد أن يتحول فعلا إلى مرتبة الثراء. لقد عاش حياته يتمرد على كل شيء، ويعارض كل شيء، ويخبرنا عيسى الماغوط أن هذا التمرد بدأ في البيت عندما كان في السادسة من العمر، فقد رفض الفقر الذي يحاصره ويطبق على العائلة، ومع ذلك عمل في الحقول وفي الحفر وفي النقل، من أجل أن يجمع ثمن تذكرة الهرب بالباص.