الأخوات.. الضحايا والأبطال

TT

كنت أتشارك أنا وجورج كلوني في غرفة صغيرة في أحد بيوت الضيافة في شرق تشاد القريبة من دارفور، وكان سريرنا طاولة على الأرض، وكان الدُّش بالنسبة لنا ماسورة من المطاط لا تنضح الكثير من الماء، وكان الجزء الذي يخص كلوني من الغرفة يحتوي على بقعة كبيرة من شيء أشبه ما يكون بالدماء. استغلني كلوني كي يتعلم من خلالي الكثير بشأن دارفور، وأنا استغللته لكي ألطف الأمر عليكم في مقال يتحدث عن الإبادة الجماعية في دارفور.

استمرت المذابح على نطاق واسع في دارفور لمدة ست سنوات، لأن قادة العالم كانوا راضين عن أنفسهم وأذهانهم مشغولة بأمور أخرى.

من المتوقع أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية خلال الأسابيع القليلة المقبلة مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني حسن عمر البشير؛ لقيامه بتنسيق تلك المذابح، الأمر الذي سيمنح العالم فرصة جديدة لوقف المذابح، لكن لاغتنام تلك الفرصة يجب على قادة العالم استحضار بعض الشجاعة الأخلاقية التي يظهرها الدارفوريون على الدوام.

فسعاد أحمد، التي تبلغ من العمر 27 عاما، هربت من دارفور مع زوجها، وأختها حليمة التي تبلغ من العمر 12 عاما، هذا إن كانت لا تزال حية، منذ خمس سنوات، أعتبرها واحدة من بين الأبطال الذين أعتز بهم، وقد قمت بتقديمها إلى كلوني في كوخها المسقوف بالقش.

كان السودان قد بعث بعد ذلك بميليشيا الجنجويد إلى شرق تشاد لذبح أفراد القبائل الإفريقية السوداء، مرتكبين هناك نفس المذابح الجماعية التي ارتكبوها في دارفور.

بعد أن قابلت سعاد، منذ عامين، بمدة قصيرة خرجت سعاد مع أختها حليمة لجمع الحطب للنار، قامت مجموعة من ميليشيا الجنجويد بإطلاق أعيرة نارية في الهواء لإرغامهما على التوقف. أمرت سعاد، المتزوجة والتي هي أُمّ لطفلين وتحمل الثالث في أحشائها، أختها حليمة بالهرب، أما هي فقد أوقعت نفسها في الشرَك مختارة، حيث انطلقت تجرى في الاتجاه المعاكس متأكدة أن الجنجويد رأوها. بعد أن رحل الجنجويد في تلك الليلة وجد الرجال في المخيم سعاد شبه فاقدة الوعي في الأجمة، وقد ضُربت واغتُصبت بوحشية.

رفضت سعاد العلاج الطبي خشية أن يشاع أنها اغتُصبت، حتى إنها لم تخبر زوجها، وبدلا من أن تقول ذلك قالت إنها سُرقت وضُربت، لكنها بالرغم من ذلك كشفت تلك القصة بحذافيرها لي وسمحت لي باستخدام اسمها، وعندما طلبت منها أن تتأكد تماما من أنها قد تواجه أخطار الدعاية - كوصمة العار أو الانتقام - وفي النهاية سألتها عن السبب وراء رغبتها في تنكب تلك المخاطر، ردت على ببساطة بالغة: «إن تلك هي الطريقة الوحيدة التي يمكنني من خلالها محاربة الإبادة الجماعية».

منذ ذلك الحين تملكتني شجاعة سعاد في عالم أثبت جبنه أمام المذابح الجماعية السودانية، وفي تلك الرحلة اقتفيت أثر سعاد وقدمتها إلى كلوني وآن كوري مذيعة «إن بي سي» الإخبارية، التي جلبت على مدار سنوات عدة أدلة قوية على الجنون الذي يسود دارفور. لسوء الحظ كانت أخبار سعاد الأخيرة غير جيدة، فظهرها الذي تأذى خلال حادثة الاغتصاب والضرب لا يزال يؤلمها، كما أنها لا تجرؤ على الخروج إلى خارج المخيم للحصول على خشب للنار، لذا يجب عليها أن تشتري الخشب، وهو ما يترك العائلة فقيرة وتعاني من نقص الغذاء، فقد أدخل طفلها الثالث عبد المالك، الذي يبلغ من العمر عاما ونصف العام، والتي كانت حاملا به في أثناء الاغتصاب، إلى المستشفى نتيجة لسوء التغذية.

كانت أكثر الأخبار المفجعة بالنسبة لي تتعلق بحليمة، التي قررت قبل عشرة أشهر أن تغادر إلى دارفور، إلى المخيم الذي يعيش به والداها اللذان أرسلا إليهما رسائل يقولان فيها إنهما مريضان، وإن هناك الكثير من الجنود يمنعونهم من الهرب إلى تشاد. لذا قررت حليمة ذات الأحد عشر ربيعا أن تقصد دارفور مشيا، مخترقة خطوط الجنجويد لإنقاذ والديها والعودة بهما سالمين، لكن الفتاة اختفت في الصحراء.

قالت سعاد بأسى بالغ: «لم أسمع عنها شيئا منذ ذلك الحين، ولا أعلم إن كانت قد وصلت إلى هناك أم أنها قُتلت في الطريق»، وقد أنفقت سعاد قدرا كبيرا من المال وهي تحاول استدعاء المزيد من الأشخاص في المعسكر لتقصي أخبار أختها ووالديها، لكنها لم تخرج بشيء نافع. وقد حاولنا تقديم المساعدة مستخدمين هواتفنا الجوالة التي تعمل عبر الأقمار الصناعية، لكننا لم نخرج بشيء أيضا. هذه هي رحلتي العاشرة إلى دارفور والمنطقة المحيطة بها، ودائما ما يطرح الأفراد تساؤلا حول كيفية تمكّن الصحافيين وعمال الإغاثة الإنسانية من الاحتفاظ بسلامتهم العقلية وسط كل هذا الرعب، بيد أن الحقيقة هي أن تلك الإبادة الجماعية بقدر ما تلقي الضوء على أسوأ الفظائع الإنسانية، إلا أنها تلقي الضوء أيضا على أفضل الخصال فيها، الشجاعة والإيثار في أشخاص مثل سعاد وحليمة.

لذا فإن أكثر الذكريات التي لن تنمحي من ذاكرتي، والتي سأحملها معي إلي بلادي من الإقليم، لن تكون عن شريك غرفتي الشهيرة الذي تقاسمت معه الفراش على الأرض، وإنما عن أبطال غير مشهورين مثل سعاد وحليمة، اللتين بإمكاننا أن نتعلم منهما الكثير.

أنا أدعوكم إلى التعليق على هذا المقال في مدونتي «أون ذا غراوند»، وأن تنضموا إليّ على «فيس بوك» وتشاهدوا مقاطع الفيديو الخاصة بي على «يو تيوب»، وتتابعوني على «تويتر».

* خدمة «نيويورك تايمز»