الماسخ.. والممسوخ

TT

تجري التحضيرات النهائية في الدولة اليهودية لتشكيل الحكومة، التي ستقود البلاد بعد انقضاء الانتخابات الأخيرة، وذلك برئاسة بنيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود، وذلك بالتوافق مع أحزاب أخرى شديدة التطرف مثل: «إسرائيل بيتنا» و«شاس». وهذا التطور يأتي بعد انسحاب تسيبي ليفني زعيمة حزب «كاديما»، وعدم قدرتها على التفاهم مع نتنياهو على مبادئ عامة مشتركة، وخصوصا فيما يخص التعامل مع القضية الفلسطينية، ومباحثات السلام مع السلطة الفلسطينية. انقضت فترة حكم كاديما، ولم يستطع إيهود أولمرت ومجموعته أن يقدموا أي تقدم حقيقي في السلام مع الفلسطينيين على أرض الواقع، ولا أن يسهموا بشكل ملموس في تحسين أساليب الحياة لهم، بل بالعكس تماما، خُتمت فترة حكمهم بحرب دموية مدمرة على قطاع غزة. اليوم تبدو عملية السلام (لو تركت بحسب رؤية بنيامين نتنياهو) مقبلة على مرحلة من التخدير الكلي العميق، لأنه غير مقتنع أبدا بفكرة الدولة الفلسطينية كمبدأ، ولكنه يفضل فقط أن يتم الحديث والتركيز على عنصر واحد فقط لا غير، وهو تحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين، عبر تطوير فرص العمل، وتحسين أحوال وظروف الانتقال. وما يقترحه نتنياهو هو تبسيط لواقع مرير. إسرائيل دولة محتلة تخالف كل القوانين والأعراف والنظم والمعاهدات والاتفاقيات. ونتنياهو يأتي إلى الحكم في ظروف مختلفة يجب استغلالها وبشدة. فهو يجيء إلى الحكم بعد أسوأ إدارة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، ويأتي بعد تأكيد الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما، أنه هو أيضا يتبنى حل الدولتين: إسرائيل وفلسطين، وأنه سيسعى لتثبيت ذلك، ولأجل تلك المسألة عين دبلوماسيا مخضرما هو السيناتور ميتشل، وكذلك تطورت المصالحة الفلسطينية بشكل فعال، لتعلن عن قرب إطلاق الحكومة الوطنية المشتركة بين الفصائل الفلسطينية، التي كانت على خلاف بيني حاد. إسرائيل نتنياهو تسعى جاهدة لتغيير البوصلة في المنطقة، وتركيز اهتمامها واهتمام حلفائها على إيران وبرنامجها النووي، باعتباره التحدي الأول بحسب تعبيرها، وذلك من أجل تخفيف الضغوط عليها، لإتمام المباحثات مع السلطة الفلسطينية من أجل نتائج ملموسة وجادة. إسرائيل خسرت الكثير من تعاطف وتفهم العالم بعد مجازرها المدوية في غزة، ومشاهد الدماء والقتلى والجرحى لا تزال في الذاكرة، وبالتالي هناك ضغوط معنوية عليها مطلوب استغلالها بالمزيد مع الضغوط العالمية، لأجل تحقيق الخطوات المتفق عليها دوليا، سواء أكان عن طريق قرارات أممية أم اتفاقيات دولية. عهد أولمرت كان ممسوخا، اختفت فيه الوعود والأماني بعد الممارسات الدموية، التي أقدم عليها مع عصابته الدموية الحاكمة، وهاهو نتنياهو يعود بأسلوبه الممسوخ لكل ما هو أخلاقي، ويحاول استعادة زعامة وقيادة في إسرائيل، التي تبحث عن بطل ولا تزال. ولكن يبقى الحق قائما، وهو بحاجة لجهاد من نوع خاص جدا، جهاد إظهار لهذا الحق على كافة الأصعدة، وهي جبهة ناجحة، وثبت نجاحها في مواقع مختلفة حول العالم. اسألوا غاندي ومانديلا، وتابعوا حصاد ما جنيا، وستفهمون المقصود. إسرائيل بقيادة نتنياهو فرصة هائلة للترويج للحق.

[email protected]