الاتحاد العربي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

TT

في ظل الدعوات التي تبنتها أخيرا مؤسسات شعبية وبرلمانية في كل من الكويت واليمن، للمطالبة بإنشاء مؤسسات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على غرار التجربة السعودية، والصدى القوي لهذه الأخبار في كل من المغرب ومصر وعدد من الدول العربية، فليس من المستحيل، وإن كان الأمر يبدو مستبعدا، أن نجد مؤسسات الحسبة وقد تأسست في هذه الدول العربية وأن تتواصل وتنسق فيما بينها عبر منظمة أو اتحاد، كتلك التي تنضوي تحتها الاتحادات العربية الأكاديمية والقانونية والأدبية والرياضية والفنية.

لكن اللافت في هذا الشأن أيضا أنه في الوقت الذي تطمح فيه هذه الأيام مؤسسات شعبية في هذه الدول العربية أن تحذو حذو التجربة السعودية في هيئة الأمر المعروف والنهي عن المنكر، لحماية المجتمع من بعض الذئاب البشرية المسعورة، وانتشار المظاهر اللاأخلاقية، وتأثر الشباب من الجنسين بها في تلك الدول، هناك في السعودية أصوات، وإن كانت لا تتسق مع الرأي العام هناك، ترى أن هيئة الأمر بالمعروف صارت من تراث الماضي، وأن عصر العولمة وانتشار ثقافة حقوق الإنسان لم يعد يحتمل وجود مؤسسات الحسبة التي «تتدخل» في الشؤون الشخصية «للإنسان» وتقف ضد خصوصياته ورغباته، إلا أن الملك عبد الله بن عبد العزيز في أحد قراراته الأخيرة حسم هذا الجدل حول هيئات الأمر بالمعروف رافعا شعار «لا لإلغائها، ونعم لتطويرها»، فضخ في جهاز الهيئات دماء شابة جديدة يؤمل منها أن تعزز من دور الهيئات وتتجاوز الملاحظات والسلبيات.

أزمة الأزمات عند المثقف العربي أنه يتعامل مع خصومه، أو بعبارة ألطف مع منافسيه، بقاعدة (إما أن تكون قديسا وإما أن تكون إبليس)، فلا مساحة عند بعض مثقفينا بين القداسة والأبلسة، والألوان تختزل في السواد والبياض فقط، ولهذا كلما تعرض الحديث لتجربة هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية يغيب في كثير من الأحيان النقد الموضوعي الهادئ، وتجد بدلا منه من يريد أن ينسفها من جذورها بسبب أخطاء في الممارسة يمكن أن تجدها في أي جهاز حكومي مماثل. وفي المقابل تجد من يضفي القداسة على هذه الهيئات ويبرر للأخطاء، ولو كانت في بعض الأحيان شديدة الوضوح، بل مخالفة حتى للضوابط الشرعية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولهذا نشد على القيادة الجديدة في هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تستمع إلى الملاحظات والنقد بغض النظر عن مصدره، كما يجب أن تلتفت كثيرا إلى أهمية تأهيل كوادرها، خصوصا العاملين منهم في الميدان وإلزامهم بدورات تأهيلية وتدريبية.

(السفهاء)، و(هواة الرذيلة) و(شواذ الأمة) و(الأقلام المأجورة)، أوصاف منسوبة إلى أحد المشايخ اليمنيين المناصرين لتأسيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بنسختها اليمنية تحت مسمى «الهيئة الوطنية لحماية الفضيلة»، وفي تصوري أن مثل هذا الهجوم القاسي والأوصاف المتوترة إن صحت نسبتها، لا يولّد مناخا ملائما لتأسيس مثل هذه المؤسسة الخيرية، لأن هناك من يجهل الدور الحقيقي لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تعزيز الأمن وترسيخ الفضيلة ومحاربة المخدرات وفضح أوكار الدعارة وشل حركة ترويج المسكرات، فيجب أن يتحلى رجال الحسبة بأكبر قدر من الحلم وضبط النفس والصبر على النقد والاستفادة منه، وحتى النقد المتوتر الذي تواجهه الهيئات من منتقديها فليس من المناسب أن يواجه بنقد متوتر، فأكبر المنكرات دعوى الألوهية التي أضفاها فرعون على نفسه، ومع ذلك فقد كانت الوصية الربانية لنبيَّيه موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى)، فبالرفق وطيب القول والحِلم وتحمّل الأذى يحقق المحتسب من أهدافه ما لا يحققه بغيرها، ولو سار المحتسبون في كل بلد عربي بهذا الأسلوب فسترى المنضمّين إلى عقد «الاتحاد العربي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» في ازدياد، ولو اختلفت المسميات.

[email protected]