كلب أحياء الصفيح

TT

تفرجت الهند على نفسها وهي تحصد جوائز الأوسكار، كمن يُعطى كأس البطولة من أجل علته. فالمشكلة في فيلم «كلب أحياء الصفيح الذي صار مليونيراً» أنه دوَّن واقع حارات الفقر في مومباي، التي صور فيها. أحياناً، حتى السينما، بكل عبقريتها الخلاقة ومخرجيها المذهلين المخيلات، لا تستطيع أن تحوط الحقيقة عندما تكون الحقيقة خلف متناول الإنسان، إذا لم يكن هندياً.

ثلث فقراء العالم لا يزالون يتجمعون في بلد يدعى الهند. برغم كل ما حدث. برغم كل ما تقدم وتطور. برغم طبقات الأغنياء والأثرياء والمكتفين التي نمت في العقود الماضية، لا يزال ملايين الناس يعيشون في مربعات من التنك، ليس فيها ماء ولا مراحيض، ولا يزال مئات الآلاف يولدون ويعيشون ويموتون وهم لم يروا سقفاً فوق رؤوسهم أو لم يحصلوا أكثر من روبية واحدة في اليوم.

تنقسم مومباي بين عالمين لا علاقة لأحدهما بالآخر: الموت في أحياء الصفيح والحياة في أحياء الكفاية. كلفة صحن واحد في فندق الشيراتون تكلف ما يجنيه رجل في غيتو «غوتام ناغار» في 700 يوم عمل من 14 ساعة، حيث الدخل الأساسي جمع علب التنك والزجاجات الفارغة وبيعها لإعادة تصنيعها. وغني عن القول إن الذي يسيطر على هذه التجارات البائسة هم رجال المافيا الذين يجعلون فقر الهند أكثر فظاظة.

لا ينتهي كل صبي إلى ما انتهى إليه بطل الفيلم، في القصة وفي السينما. بعضهم ينتهي جثثاً ممزقة الأقفية لأنهم حاولوا سرقة بضاعة ما. وبعضهم تفقأ عيونهم قبل أن يمزقوا. والشرطة لا تدوِّن الحادثة؛ لأن رجالها يفقدون عيونهم عند الضرورة. لقد انخفضت نسبة الفقر في الهند من 36 إلى 27% لكنه حجم مريع ونوع مخيف من العوز لشدة ما هو عار ومعلن وبلا ستر. وقبل أن يحول الفقر الهندي إلى فيلم وجوائز وأضواء شديدة في هوليوود كان قد حول إلى صناعة سياحية رائجة. لقاء 800 روبية يستطيع السائح القيام بجولة تدوم 4 ساعات في أحياء الصفيح. الحماية مؤمنة تماماً.

وفنادق مومباي تقدم لزبائنها في كل غرفة نسخة من رواية «شانتارام» وهي قصة حب تدور في الغيتو. أي في الأحياء التي ينام فيها الأطفال مع الفئران ويصابون بالصلع وهم في السادسة ويفقدون أمهاتهم وهم في السابعة.

سافرت إلى بومباي في الستينات وتلقيت صدمة عمري من مشهد الفقر. أذهلتني التجربة الهندية منذ البداية، منذ نهرو وشاستري وأنديرا وتجربة راجيف غاندي الخاطفة. ولكنني أفضل أن أتابعها عن بعد. في الكتب أو في السينما. الحقيقة لا تطاق.