بين الرياض والقاهرة

TT

يدرك ناثرو بذور الفتنة في مشتل العلاقات العربية ـ العربية بأن العلاقة بين مصر والسعودية تمثل القلب من جسد هذه العلاقة، وبالتالي فهي المستهدفة تاريخيا بسهام أعداء هذه الأمة في الداخل والخارج، لأن انفراط عقد هذه العلاقة يعني التشرذم والتشتت والضياع.

ويعي العقلاء في السعودية ومصر على المستوى السياسي والإعلامي والاقتصادي هذه الحقيقة، ويدركون طبيعة المكائد التي تحاك للنيل من هذه العلاقة، ولذا تجدهم دائما في حالة يقظة، وتصدٍ، بل وتحدٍ لكل السهام المسمومة التي تستهدف خدش هذه العلاقة وديمومتها، ومن أكثر الأساليب المخادعة التي يروّجها المغرضون العزف على نغمة انحسار دور مصر الإقليمي لصالح السعودية بغية استفزاز المصريين، وكأن الدور السعودي يقتات من الدور المصري، أو كأن الساحة العربية لا تتسع للمزيد من الأدوار. فحقائق الواقع تشير إلى أن الدورين السعودي المصري يتسمان بالتكاملية، والتوافق، وتوحد المنطلقات، ولا ينتقص أحدهما من الآخر، بل يزيده قوة، ورسوخا، وثباتا، فثمة أهداف مشتركة كثيرة تجمع بين الدورين، وفي مقدمتها وحدة الفلسطينيين، وإنهاء معاناتهم، ولذا كان العاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز أكثر السعداء، وأول المهنئين بنجاح مصر في الوصول إلى صيغة مصالحة بين السلطة الفلسطينية، وحركة حماس، وبقية الفصائل الفلسطينية. وفي خطاب الملك عبد الله بن عبد العزيز لشقيقه الرئيس المصري حسني مبارك تبرز الثقة بين الدورين، فهو يقول: «ما قام به فخامتكم من جهود، يدل دلالة قاطعة على أن مصر الشعب الحر الأبي، مصر العروبة والإسلام، وبقيادتكم الحكيمة تصدت لدورها التاريخي المؤمل منها، حكومة وشعباً، وأثبتت، كما هي عادتها، عزمها المستمر على إيجاد الحل للخلاف الفلسطيني ـ الفلسطيني، ولم يعرف الملل، ولا الكلل، ولا الضعف، دربه إلى عقل القاهرة المُتيقظ، وهذا من فضل الله عليكم، وعلى شعب مصر الشقيق، فهنيئاً لفخامتكم ولأشقائنا في مصر، وهنيئاً لنا بكم ـ بعد الله ـ عوناً ونصيراً لقضايا أمتيكم العربية والإسلامية»، وأستحضر هنا تعليق العامل المصري، الذي يعمل بمدينة جدة، وكان حينما أتيت إليه قد فرغ لتوه من الاستماع لخطاب الملك عبد الله عبر المذياع، وراح يرفع عقيرته بالغناء: «يا عوازل فلفلوا»، مؤكدا أن العلاقة بين السعودية ومصر أقوى من أن ينال منها الأعداء، أو أن يخدش من ديمومتها المغرضون، الذين افتعلوا الكثير من الحوادث خلال السنوات الماضية لتوسيع المسافة بين ضفتي البحر، بين مصر والسعودية، فكانت جسور المحبة تعانق بين جدة والسويس، وتعمّق الإخاء بين الرياض والقاهرة.

وباختصار: إن العلاقة بين السعودية ومصر ليست علاقة عابرة في زمن عابر، لكنها علاقة ثرية بجذور التاريخ ووعي الحاضر.

[email protected]