العلاقات السعودية ـ السورية: تاريخ قديم

TT

لا شك في أن الأمور تتحرك بسرعة في منطقة الشرق الأوسط. وأنه تحرك واعد بالرغم من كل المظاهر والأسباب الأخرى التي تحمل على التشاؤم.

ذلك، لأن تردي العلاقات بين الدول العربية، الذي تجلى في قمتي الدوحة والكويت، إبان العدوان الإسرائيلي على غزة، بلغ قعراً خطيراً كان لا بد من الصعود منه. ثم إن «حالة الانقسام الفلسطيني»، باتت تشكل بحد ذاتها عقبة في وجه أي مشروع سلام. ولا ننسى وصول أوباما إلى الرئاسة في الولايات المتحدة وإعلانه عن سياسته الجديدة، المنطلقة من الحوار ومد اليد، إلى دول المنطقة. ولا الاهتمام الأميركي المباشر في النزاع العربي - الإسرائيلي. ولا نتائج الانتخابات الإسرائيلية، التي ضيق فوز الأحزاب اليمينية فيها، أفق السلام.

وكما عودنا خادم الحرمين الشريفين، في كل مرة تتأزم فيها الأمور، بسط يد المصالحة، في لقاء القمة العربية الأخير، كاسراً الجليد الذي كبّلها في اجتماعات قمتي الدوحة والكويت. ولقد استقبل، منذ أيام، وزير الخارجية السوري، الذي تعتبر زيارته إلى الرياض، مظهراً واضحاً لتحسن العلاقات السعودية - السورية. وهي علاقات لها أهميتها في مجرى العلاقات العربية العامة، منذ عقود.

لقد تميزت العلاقات السعودية - السورية، بخصوصية، لم يؤثر فيها تغير نظام الحكم في دمشق. لا في زمن الحكم الملكي الهاشمي في بغداد، ولا في زمن الوحدة السورية - المصرية، ولا في عهد صدام حسين في العراق. فالسعودية كانت - و لا تزال - تدرك أهمية «الدور السوري» في معادلات توازن القوى في المنطقة، وفي «دوزنة» النهج القومي العربي. ولذلك حرصت على دعم استقلالية الحكم السوري وعلى تلبية طلبات دمشق، بدون حساب. ولكن دمشق، رغم اتكالها على السعودية، عند «الحشرة»، لم تلتزم بالسياسة العربية والدولية التي تتبعها المملكة. التقت مع المملكة، في الخمسينات، في جبهة مصرية – سعودية - سورية مشتركة، مضادة لحلف بغداد. ثم افترقت عنها في الستينات، عندما التزم الحكم فيها بتحالفه مع الاتحاد السوفياتي. وفي عهد الرئيس حافظ الأسد، التقت دمشق والرياض، في أكثر من موقف ومعركة، كمعركة تحرير الكويت، مثلا. كما تباينت مواقفهما، في ظروف أخرى، كالحرب اللبنانية.

وليس سراً أن ولي العهد (آنذاك) الأمير عبد الله، قام بدور رئيسي في إدارة العلاقات السعودية - السورية، وزار سورية أكثر من مرة.

غير أن تحالف سورية مع إيران، وطريقة ممارستها لـ «وصايتها» على لبنان، وموقفها السلبي من عملية السلام، ما لبثت أن بردت العلاقات بين الرياض ودمشق. لا سيما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري والخطاب الذي ألقاه الرئيس بشار الأسد، عشية خروج القوات السورية من لبنان. ذلك أن المملكة العربية السعودية، كانت، ولا تزال، داعمة لكيان لبنان واستقلاله ووحدته الوطنية، وبالتالي لا تنظر بعين الرضى لمن لا يحترم هذه الثوابت في سياستها العربية.

لقد حفلت السنوات الأخيرة بالشواهد على الخلاف بين الرياض ودمشق. سواء في اجتماعات القمة العربية أم اجتماعات وزراء الخارجية. وقد كان لهذه الخلافات دورها في الانقسامات العربية والفلسطينية، وتأثير هذه الانقسامات على عملية السلام. ولقد تجلى هذا التأثير في أكثر من مناسبة، أبرزها وأخطرها، إبان العدوان الإسرائيلي على غزة، وخلال قمتي الدوحة والكويت.

السؤال، الآن، هو حول ما سيتبع بادرة المصالحة التي أطلقها الملك عبد الله. إن دمشق تجد نفسها، اليوم، أمام مصالحة سعودية وانفتاح أميركي ووساطة تركية وتحالف إيراني. فهل بإمكانها التوفيق بين هذه التجاذبات المتلاقية والمتضادة؟

قد يكون من الصعب على دمشق التخلي عن حلفها مع إيران وعن دعمها لحزب الله وحماس والفصائل الفلسطينية المتطرفة. ولكنها هل بمقدورها أن تتحمل عواقب استمرارها في عرقلة عملية السلام؟ وماذا بشأن موقفها من الانقسام الفلسطيني الذي تتحمل جزءًا كبيراً من مسؤوليته؟

إن المصلحة الأكيدة الوحيدة، في هذا الخضم من النزاعات القديمة والجديدة، المتلاعبة بمصير الشرق الأوسط، هي قدرة العرب والفلسطينيين على توحيد صفوفهم من أجل قيام الدولة الفلسطينية، وعدم تفويت فرصة وصول الرئيس أوباما إلى الحكم، في ظروف اقتصادية عالمية ملينة لمواقف الدول الكبرى. ولن يتمكن اليمين الإسرائيلي من تعطيل عملية السلام إذا وحد العرب والفلسطينيون صفوفهم.

إن مبادرة المصالحة التي أطلقها الملك عبد الله، تندرج في سياق تعزيز مبادرة السلام التي أقرتها قمة بيروت. ومن مصلحة سورية والدول العربية، والقضية الفلسطينية، إتمام هذه المصالحة، من أجل تحقيق السلام العادل.