خطباء العرب

TT

هز المشير عمر البشير عصاه في وجه المحكمة الجنائية الدولية أمس الأول قائلا: «من يطمع في موارد وخيرات السودان عليه أن يجرب لحس كوعه». تخيلت صفا طويلا من الإمبرياليين والاستعماريين في عواصم الغرب، يقفون أمام المرآة محاولين لحس أكواعهم. طبعا خسئوا، لن يستطيع أحد منهم، حتى لو استعان بأمهر مدربي اليوغا، أن يرفع كوعه إلى فمه ثم يحاول أن يقبله، أو حسب تعبير الزعيم السوداني، أن يلحسه.

هل تمت ترجمة التعبير إلى اللغات الاستعمارية؟ الأرجح، لكننا لا نعرف ما هو النص الذي اعتمد في ذلك. على أن ما يؤكد حصول فعل الترجمة هو صور اليافطات المرفوعة في الخرطوم باللغة الفرنسية دعما للسيد الرئيس، فقد اختار عمال السودان إعلان دعمهم للرئيس ضد أرنب المحكمة الدولية، باللغة الفرنسية. لعلها المرة الأولى في تاريخ العاصمة المثلثة ترتفع فيها كتابة بالفرنسية، حتى لإعلان صابون. فاللغة الاستعمارية الوحيدة المألوفة على هذا الجزء من النيل هي الإنكليزية، لغة مراسل «التايمس» الناشئ ونستون تشرشل. أما الفرنسية التي حلم نابوليون بنشرها في أفريقيا عن طريق السودان، فما تحدث بها أحد إلا لفترة وجيزة، تسلم خلالها القومندان روندو المطلوب كارلوس.

في اليوم الذي دخل الخطاب السياسي مصطلح «لحس الأكواع»، وربما في الساعة الثمينة نفسها، كان نائب يقف في «مجلس الأمة» متوعدا منددا مهددا، ثم حسم الأمر لصالحه بالقول عن خصومه «كلام فاضي».

تذكرت زمنا كانت فيه لغة السياسة الكويتية خطاب محمد العدساني وأحمد الخطيب وعبد الرحمن سالم العتيقي وعبد العزيز حسين وعبد الله حسين وأحمد السقاف، تذكرت وتأملت المتكلم، وقلت في نفسي: طبعا «كلام فاضي». أو أسوأ من ذلك.

لماذا يمر العرب في قحط التعابير اللائقة، ولهم لغة ثرية بالمرادفات، غنية باللطائف؟ شكا الجنرال ميشال عون الأسبوع الماضي من أن حزبه يتعرض «لأبشع الحملات الإعلامية». وكان زعيم «التيار الوطني الحر» قد نعت خصومه (في ما يليق بإعادة النشر) بالنعوت التالي ذكرها: «سقايات»، وترجمتها سحالي، و«اوية» وترجمتها جبناء الثعالب، و«لقطاء» وقد قالها بالعامية اللبنانية لتعميم الفائدة، «أولاد لقطاء» أيضا بالعامية، للغرض النبيل نفسه، «هبل» ومفردها أهبل، «زعران» أي بلا أخلاق، «أوطى من بطن السقاية» أي دون بطن السحلية، «بسينات» أي قطط، «زبالة» ولا حاجة للشرح. واللائحة أطول من حيز هذه الزاوية. والحمد لله، لا يحمد على مكروه سواه.