الملك والسرداب (5)

TT

لا أعتقد أن هناك مكاناً في العالم كله يحمل كل هذا الغموض والإثارة.. صاحبه هو الملك «سيتي الأول» ثاني ملوك الأسرة 19، وابن الملك «رمسيس الأول»، وأبو الملك «رمسيس الثاني» أشهر فراعنة مصر على الإطلاق.. وقد ترك لنا «سيتي الأول» مقبرة ليس لها مثيل في وادي الملوك من حيث الحجم وجمال المناظر والنصوص.. وقد كشف عن هذه المقبرة مهرج السيرك الإيطالي بلزوني في عام 1817، وتحمل المقبرة رقم (17) بوادي الملوك. وتمكن بلزوني من الدخول إلى حجرة الدفن؛ وشاهد أروع تابوت ملكي في منتصف الغرفة، مصنوع من الألباستر المصري، وغطاؤه على شكل المومياء الملكية، يعلوه سقف المقبرة الذي يعتبر معجزة معمارية وفنية بكل المقاييس، حيث صور الفنان المصري القديم مناظر فلكية تصور أبراج السماء كما تخيلها، وتعكس علماً عميقاً بالفلك.

وقد لاحظ بلزوني أن تابوت الملك وضع على بلاطات حجرية، وليس على أرضية المقبرة. وبنقل التابوت خارج المقبرة، قام بنزع هذه البلاطات؛ ليجد سرداباً سرياً.

وقد بدأ الحفر في هذا السرداب الغريب، ولم يتمكن من استكمال العمل لصعوبة الحفر فيه، وعدم وجود هواء ليتنفسه. وبعد ذلك جاءت عائلة عبد الرسول، وخاصة الشيخ عليّ عبد الرسول، آخر أفراد العائلة، ليبدأ في استكشاف هذا السرداب في عام 1960، إلا أن عمله لم يكتمل بسبب الظروف الصعبة داخل السرداب.

وبدأت البعثة المصرية ـ برئاستي ـ في الكشف عن هذا السرداب السري، وذلك لأول مرة، وبطريقة علمية، لأن أعمال بلزوني كانت بدائية، وكذلك لم تكن حفائر الشيخ عليّ سليمة؛ الأمر الذي جعله يفقد مسار السرداب الأصلي، ويحفر في مسار آخر يعلوه. وهناك اعتقاد بأن هذا السرداب يؤدي إلى المقبرة الحقيقية للملك، التي من المفترض أن الفراعنة قاموا بإخفائها داخل هذا السرداب، وخاصة لأن شغل المصريين القدماء الشاغل كان إخفاء حجرة الدفن عن أعين اللصوص.. وهذا يجعلني أعود إلى الماضي، إلى أكثر من 37 عاماً، عندما قابلت الشيخ عليّ عبد الرسول في فندق المرسم بالبر الغربي بالأقصر، وكان ـ رحمه الله ـ شخصية جذابة، يبلغ من العمر سبعين عاماً، ويحمل وجهه تجاعيد الماضي وآثاره، ويضيف شاربه الكبير مهابة وعمقاً لشخصه.. وكان يعيش بالوادي حوالي ثلاثين مفتشاً للآثار يعملون كمرافقين للبعثات الأجنبية التي تعمل بالأقصر، وكنا نلتقي في المساء لنتحدث ونتناقش في أمور الآثار، ونتجاذب أطراف الحديث في موضوعات شتى بعد يوم عمل شاق طوال النهار.

وقد علمنا أن الشيخ عليّ عبد الرسول سوف يتزوج شابة صغيرة السن، واتفق على إقامة الفرح. وقد سأله المفتشون عن سبب زواجه من فتاة صغيرة، فكان يضحك ويقول إن عنده صحة أقوى من شاب في العشرين من عمره. وقبل أن ننهض إلى حجراتنا، وجدنا الدكتور عبد الفتاح الصباحي يناول الشيخ عليّ حبة صغيرة، قال له إنها ستساعده على اجتياز الليلة الأولى من الزواج.. وقد تناول الشيخ عليّ الحبة، التي اتضح ـ فيما بعد ـ أنها منوِّم؛ جعلته يستغرق في نوم عميق حتى الصباح.. وشاعت القصة بين روّاد الفندق؛ ولم أجد غير الضحك والابتسامة على وجه الشيخ عليّ في اليوم التالي.

www.drhawass.com