آداب الأفول

TT

الملاحق الأدبية التي صنعت مجد الأدب الانكلوسكسوني خلال القرنين الماضيين، في طريقها إلى الأفول. من ملحق «لوس أنجليس تايمس» الذي برزت فيه ألمع أسماء الأدب الأميركي، إلى ملحق «الاوبزرفر» البريطانية، الذي تقحم فيه أخبار السينما والتلفزيون من أجل اجتذاب بعض الإعلانات وضمان استمراره.

اعتمدت «لوس أنجليس تايمس» قاعدة اقتصادية قديمة وهي أن «على كل سفينة أن تقوم على قعرها». ولم يستطع الملحق الأدبي الاستمرار برغم كلفته الضئيلة، وهكذا تم دمجه مع قسم «الرأي» في العام 2007، لكن العملية أخفقت وتحولت مراصفات الكتاب العام الماضي إلى مجرد صفحتين في ملحق الفنون. الظاهرة نفسها حدثت في «الاندبندنت» و«الديلي تلغراف» و«الديلي ميل». والأخيرة غيرت موعد الملحق الأدبي من يوم السبت إلى يوم الجمعة. لكن «الغارديان» بعكس الجميع أصدرت مؤخرا ملحقا مستقلا يصدر في العطلة الأسبوعية، التي يفترض تقليديا أنها موعد القراءة المتأنية عند البريطانيين.

هل هو اتجاه عالمي؟ نعم ولا. لقد بهت كثيرا الملحق الأدبي الأسبوعي في «الموند» وفي «الفيغارو». وفي المقابل تزدهر المجلات الأدبية المستقلة. ويحدث الأمر نفسه في أميركا وبريطانيا، حيث تزدهر وتنتشر «نيويورك ريفيو أوف بوكس» و«لندن ريفيو أوف بوكس». وفي الصحافة العربية يعتبر «ملحق النهار» أحد أقدم الملاحق الأدبية، وقد طالته يد التوفير قبل حوالي العقد، وقضت بخفض عدد صفحاته. غير أن «الملحق» فقد صورته الأدبية منذ فترة طويلة، وهو في معظمه الآن منبر سياسي يضم مجموعة من الكتاب الاعتراضيين، بأسماء صريحة وأسماء مستعارة، تتجاوز في مواقفها السياسية مواقف الجريدة اليومية نفسها. لكن لا يزال يحمل «الملحق» مواد أدبية وفنية أسبوعية، وأحيانا دراسات سينمائية يميزها طابع العمق، بعكس الطابع اليومي.

ولا يزال الملحق الأدبي أو الثقافي في «السفير» يحافظ على حيويته بإشراف الأديب عباس بيضون. وتغرق «المستقبل» طوال الأسبوع في لهاث الأحداث اليومية، ثم تعقد استراحة أدبية مشوقة وثرية في ملحق «نوافذ»، بإشراف الروائي حسن داود. لكن ما هي نسبة القارئ الثقافي في الصحيفة السياسية؟ لا أدري. هناك الآن ظاهرة الكاتب السياسي المثقف. أو كاتب الثقافة السياسية. أو الاثنين معا. وقد تجلت أهمية هذا النوع السياسي أو الأدبي، في وفاة الكاتب التونسي صالح بشير، الذي تحول غيابه الشهر الماضي، إلى موكب جنائزي طويل ضم أرتال المثقفين العرب. وهم عادة لا يجتمعون على امتداح مستحق إلا إذا غاب.