آمين.. آمين!

TT

أنصاف الليالي وقبل الفجر من أي يوم أتقلب على فراشي وأتلوى على مكتبي وأتمسح في الصفحات، وأهرب من رائحة السجائر، ولكن أملأ صدري برائحة التراب والحبر.. وهذا هو الجو الروحي والإلهام الذي يتدفق في دماغي، سواء على الورق.. وأنظر إلى ما خطت يداي.. وإلى عيون القراء، وإلى مصير هذا الورق.. ومصيرنا جميعا: إلى الزبالة.. زبالة الشارع.. زبالة الحياة، وزبالة التاريخ..

ثم إننا ننسى ذلك كل يوم، لكي نواصل حياة الكتابة والقراءة.. ولكن بعض الذين لا قرأوا ولا كتبوا لم يجدوا ذلك ضروريا ليرتفعوا في سلم النفوذ والمال.. كيف يسمون ذلك عدلا!

ومن أين قفزت كلمة (العدل) هذه؟

لا عربية، ولا هي أجنبية.. فلا يوجد في الدنيا عدل.. لأنه لا يوجد في الدنيا قانون.. وإنما يوجد من يدوس القانون بالجزمة.. ويصبح القانون المفعوص تحت الجزمة تعديلا واجب النفاذ. ونسمي ذلك عدلا!

ولم يحدث أن كان في التاريخ عدل.. وإنما هناك قوة تعصف بمن يعترض وتسحق من لا يقول: آمين.. وأكثر الكلمات شعبية في التاريخ من أوله إلى آخره هي كلمة آمين..

ونحن نعلم الطفل أن يقول: آمين.. لأن هذا هو الأدب..

ونعلمها للكبير، لأن هذه هي التقاليد..

ونعلمها للأكبر، لأن هذه هي لقمة العيش.. وقطعة الكيك.. والدرجة والوظيفة.. والشيكات.. والطريق إلى فوق.. أو إلى تحت..

قلها ولا تخف.. بل الخوف ألا تقولها.. انظر إلى ما أصاب فلانا وعلانا.. يا شيخ قولها.. لست أقوى، ولا أعقل، ولا أعظم، ولا أجمل من فلان وفلانة.. قلها.. أنت فاكر نفسك مين..

انظر إلى الأشجار.. إنها نمت وازدهرت وأثمرت، لأنها قالت لقوانين النمو: آمين..

انظر إلى الشمس.. أشرقت وغربت، لأنها قالت لقوانين الفلك: آمين.. إن الذين في المساجد قالوا لله: «آمين»..

فلا بد من «آمين» ليكون لك نصيب في الدنيا والآخرة.. قل: آمين، لأنك لا بد أن تقول.. أما الذين لا قالوها ولا عرفوا، وليس في نيتهم، فهم المعذبون في الأرض وفى السماء.. المتقلبون على الشوك في الدنيا، وعلى النار في الآخرة.. وأنت حر في أن تختار أيّ النارين.. أو النارين معا..