الاعتراف بمبدأ الدولتين شرط السلطة للتفاوض مع نتنياهو

TT

لن يغطي مؤتمر دعم غزة على المشاكل الداخلية التي يواجهها الفلسطينيون. محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية يريد حكومة وحدة وطنية توافق على حل الدولتين، وتوافق على الاتفاقات الموقعة، وترد «حماس» بأن الحكومة المطلوبة يجب أن تكون حاضنة للمقاومة، وترفض بالتالي أن تميز ما بين مواقفها كحركة وما بين المطلوب كالتزامات من الحكومة الفلسطينية، هي تتمسك بأنها فازت في الانتخابات النيابية. وعلى هذا يرد صائب عريقات رئيس وفد المفاوضين الفلسطينيين والمقرب جدا من الرئيس الفلسطيني، أنه لم يحدث في التاريخ أن فاز حزب في الانتخابات ليقول لاحقا إنه سيلغي قرارات الأمم المتحدة والمبادرة العربية والاتفاقات الموقعة. ويضيف: «إن الالتزامات التعاقدية على المجتمعات السياسية عبر التاريخ كانت دوما ملزمة للحكومات التي تصل السلطة، سواء بانقلاب أو انتخاب أو بالوراثة»، وبرأيه إن على «حماس» أن تدرك أن أي حكومة فلسطينية ستشكل ستكون جزءا مسؤولا من المجتمع الدولي، وسيكون عليها التزامات سياسية ومالية واقتصادية.

أذكّره، أنه عندما ألغى صدام حسين الرئيس العراقي السابق «اتفاقية الجزائر» مع إيران، أدى ذلك إلى حرب، فهل إذا ألغت «حماس» الاتفاقات السابقة تعطي التبرير لإسرائيل للحرب؟

يرد عريقات: «لن تستطيع (حماس) إلغاء الاتفاقيات وما ترتب بسببها من التزامات على الحكومة والشعب الفلسطيني»، ويصر على ما يصفه بالنقطة الجوهرية: «نقول كشعب فلسطيني وكمنظمة التحرير، إننا نحترم التزاماتنا تجاه الشرعية الدولية والعربية والفلسطينية». هذه النقطة يربطها عريقات بما يمكن أن يحصل في إسرائيل بعد فوز اليمين فيها. يشير إلى أن محمود عباس بعث خطيا إلى الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي وروسيا، أنه في حال جاءت حكومة إسرائيلية ورفضت الاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين، ورفضت مبدأ الدولتين واستمرت في سياسة الاستيطان، فـ«يجب ألا تكون شريكة لكم». من هنا يأتي تمسك السلطة الفلسطينية بالاعتماد على أرضية الشرعية الدولية، «إذا أردنا من العالم أن يساندنا في عزل حكومة إسرائيلية ترفض الشرعية الدولية»، كما يقول عريقات.

يعتقد بعض المراقبين أن بنيامين نتنياهو لن يرفض الأسلوب الديبلوماسي ولن يقدِم على الإسراع في بناء وتوسيع المستوطنات، خصوصا إذا انتهى به الأمر لتشكيل حكومة يمينية صرفة، لأن حكومة فيها تسيبي ليفني أو إيهود باراك ستبرر لنتنياهو التمسك بمواقف متشددة والمحافظة على الوضع القائم. فالذين يدّعون «الاعتدال» في إسرائيل وفّروا دائما الغطاء أو التبرير للمتشددين، والمزايدة على المتشددين دفعت المعتدلين «لشن الحروب». ثم هناك عامل «أوباما»، فالرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما ليس الرئيس السابق جورج دبليو بوش، وهذا يعني أن نتنياهو كي ينجح في إطالة عمر حكومته، عليه أن يقدِم على تجميد المستوطنات، والسماح بتدفق المساعدات إلى غزة، والتفاوض من دون مناورات مع الجانب الفلسطيني، ذلك أن لا خيار لديه أمام إدارة مصممة وتتحدث بصوت واحد، من رئيسها إلى وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون التي التزمت بتقديم 900 مليون دولار لإعادة إعمار ما هدمته إسرائيل في غزة، إلى جورج ميتشل الموفد الجديد للشرق الأوسط، إلى مستشار الأمن القومي جيمس جونز الذي عرف الوضع الفلسطيني عن كثب. حتى اليمين الإسرائيلي صار يعرف بأن أمام نتنياهو الخيار ما بين: الاستمرار في بناء المستوطنات وخسارة صداقة الإدارة الأميركية، أو العكس. ثم لن يكون هناك «إليوت أبرامز» في هذه الإدارة، ليقول للمعنيين إن الرئيس لا يقصد ذلك، وإن رأي وزيرة الخارجية غير مهم.

أسأل عريقات عما إذا كان يشعر بأن إليوت أبرامز خدعهم، فيجيب: «لا أقول إنه خدعنا، كانت هناك إدارة أميركية تعمل لمصالحها، ونحن تعاملنا معها وفق مصالحنا». ثم يضيف أنه ليس سرا أن حكومة نتنياهو ترفض الشرعية الدولية، «وإذا رفضت الاتفاقات الموقعة ومبدأ الدولتين ونبذ الاستيطان ورفع الحصار، فلن تكون شريكا لها، ولن نتفاوض معها، ونريد من العالم أن يعلن أنها ليست شريكا». ويعتمد عريقات على موقفه هذا، انطلاقا من اللقاء الذي جمع نتنياهو وليفني، زعيمة حزب «كاديما»، إذ طلبت منه إذا أراد أن تشارك في حكومته أن يتضمن الاتفاق الحكومي مبدأ الدولتين لشعبين وقبول التفاوض حول القضايا الرئيسية: القدس، الحدود، المستوطنات، اللاجئون، والأمن. رفض نتنياهو ذلك فرفضت ليفني المشاركة.

أسأل عريقات: لماذا استمررتم في التفاوض مع إيهود أولمرت رغم أن الاستيطان تضاعف في زمنه؟ يجيب أن السلطة تفاوضت مع أولمرت عندما شكلت الإدارة الأميركية لجنة ثلاثية برئاسة الجنرال فرايزر، وتعهدت كتابة وقف النشاط الاستيطاني، «لكن للأسف خذلتنا الإدارة الأميركية لأن ذلك النشاط استمر (...) أنا لا أريد أن أغير الحقائق والتاريخ، لكن المفاوضات تعطلت أكثر من مرة». وعن ردة فعله كون حزب «إسرائيل بيتنا» يدعو إلى حل الدولتين، يفضل عريقات الانتظار لقراءة برنامج الحكومة، فإذا لم يتضمن الاتفاقات ومبدأ الدولتين وإيقاف المستوطنات «فلن تكون شريكا لنا ولن نجري مفاوضات معها».

يوم الأحد الماضي كشفت صحيفة «الأوبزرفر» عن اتصالات غير مباشرة، جرت على ثلاث مراحل ما بين «حماس» من جهة وحكومة إيهود أولمرت من جهة أخرى، وكان ينقل الرسائل قريب من أولمرت، وأكدت الصحيفة أن قيادات «حماس» في دمشق وغزة كانت تعلم وموافقة على هذه الاتصالات.

عندما عين الرئيس أوباما مبعوثه للشرق الأوسط «جورج ميتشل» أكد الأخير أن السلام الذي نجح في تحقيقه في أيرلندا الشمالية لم يتم على أيدي المعتدلين، بل عندما شارك المتطرفون في المفاوضات. وإذا كانت السلطة الفلسطينية تصف حكومة نتنياهو بحكومة متطرفين، وإذا كانت إسرائيل والعالم الغربي يعتبران «حماس» حركة متطرفة، فلربما الاتفاق السلمي يأتي عبرهما إذا ما رأى لاحقا ميتشل أن عليه تطبيق ما جرى في أيرلندا الشمالية على المفاوضات التي سيجريها بين الفلسطينيين وإسرائيل، خصوصا أن هناك دعوات لـ«حماس» لتعدل في ميثاقها وتعترف بحق إسرائيل في الوجود، وتتوقف عن العنف.

صائب عريقات نفى علمه بما نشرته صحيفة «الأوبزرفر»، لكنه لم يستغرب إذ يعتقد أن الاتصالات غير المباشرة بين «حماس» وإسرائيل مستمرة، رغم أن الأخيرة لم تبلغهم عنها، ولكن: «لا أفاخر إذا كانت صحيحة». وإذا كان عامل «أوباما» سيؤثر حتما على السياسة الإسرائيلية، فما تأثيره على الموقف الفلسطيني وكيف سيتعامل الفلسطينيون، متحدين أو منقسمين مع الرئيس أوباما، لا سيما أن «حماس» أرسلت إليه رسالة، سلمها مكتب الأمم المتحدة في غزة إلى السناتور جون كيلي عندما زارها؟ يوضح عريقات: «سنقول للرئيس أوباما إن مصالحكم كأميركيين في المنطقة تتطلب إنهاء الاحتلال الإسرائيلي والكف عن التعامل مع إسرائيل كدولة فوق القانون، ولأن حدود أميركا لم تعد كندا والمكسيك، إذ ينتشر 200 ألف جندي، وإن انتشارهم يغير الدور الوظيفي لأميركا في المنطقة، وعليها بالتالي أن تدرك أنها لا تستطيع تحقيق الاستقرار والأمن إلا بتجفيف مستنقع الاحتلال الإسرائيلي».

يستطرد عريقات - الذي يقول إن الفلسطينيين في مواقف التحذير (لن نسمح، وعلى أميركا أن تفعل) يعتمدون على إرادتهم - في توجيه رسالة إلى واشنطن: «إذا أرادت الحوار مع العالمين العربي والإسلامي فعليها نبذ المعايير المزدوجة، وإذا جاءت حكومة في إسرائيل ترفض الاتفاقات الموقعة وحل الدولتين ووقف الاستيطان، فيجب على أميركا أن تعلن أنها غير شريك». عن الدور الإيراني يقول عريقات: «إن قضية فلسطين والقدس أهم من جميع عواصم العرب والمسلمين، ولا يمكن لفلسطين أن تكون ورقة تقدّم في معابد المساومات، وإن لدى الفلسطينيين القرار الوطني المستقل وعلى الجميع احترامه». مؤتمر «شرم الشيخ» لدعم غزة سيضع كل الأطراف الفلسطينية على المحك، وأكد العالم أنه مع الشعب الفلسطيني. حرب غزة لم تحل مشكلة «حماس»، بل أثرت سلبا على سمعة إسرائيل في العالم. القادة الفلسطينيون بدورهم لم يخرجوا أنقياء من حرب غزة. يتردد أن «حماس» تعمل حثيثا على زعزعة مصداقية السلطة في الضفة الغربية لأنها تتطلع للسيطرة على غزة والضفة والقرار الفلسطيني.

الفرص متوفرة الآن أمام السلطة للتعلم من الأخطاء الكثيرة السابقة، واستعادة بعض مصداقية لديها، والاستفادة من اعتراف العالم بسلطة محمود عباس، فتبدأ بتسجيل النقاط في مرمى «حماس» بالعمل على رفع الحصار عن غزة، والتمسك بالشفافية في «الحسابات» المالية، لأن «غزة» قد تكون الطريق إلى الدولة الفلسطينية المستقلة.