لقطف ثمار الاندفاعة الأميركية لا بد من تحرك عربي وبسرعة

TT

حتى لم لو ينته الحوار الفلسطيني – الفلسطيني الذي تشرف عليه مصر إشرافاً مباشراً والذي ترعاه دولٌ أخرى عن بعد فإن المفترض ألاَّ يُضيِّع العرب وقتهم بتبادل العواطف الجياشة حول تنقية الأجواء بينهم واستعادة الود المفقود منذ بضعة أعوام والمهم هنا ما دام أن الخلاف لم يكن مزاجياً أن تستند «المصالحات» المنشودة إلى بلورة موقف الحد الأدنى الذي من المفترض أن يلزم الجميع وبخاصة تجاه القضية الفلسطينية.

لم يبق على قمة الدوحة، التي ما كان من الممكن أن تنعقد بالصورة المتوقعة الآن لو لم يكن هناك اجتماع أبوظبي الذي أبرز كتلة عربية عنوانها «التضامن العربي»، إلا نحو ثلاثة أسابيع ولذلك وحتى لا تكون قمة «روتينية»، يتبادل خلالها المجتمعون العناق وهم يرفعون شعار «عفا الله عمَّا مضى»، فإنه لا بد من التحرك وبسرعة لإعداد مشروع عربي يستقبل به العرب الإدارة الأميركية الجديدة التي أظهرت منتهى الجدية في التعاطي مع أزمة الشرق الأوسط منذ اللحظة التي انتقل فيها الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض.

لا يجوز أن يستنـزف العرب وقتهم بكل هذه العواطف الجياشة وبلعن الشيطان الرجيم الذي دقَّ أسافين الفرقة والتباغض بينهم ولا يجوز أن يبقوا مجرد متفرجين على مسرح الشرق الأوسط الذي تدور فوقه ألاعيب دولية كثيرة والذي تحتل عمامة «الولي الفقيه» فيه الحيز الأكبر إن بصورة مباشرة وإن من خلال الوكلاء الذين تحركهم عن بعدٍ الخيوط الإيرانية. لقد وصل الاندفاع الأميركي في عهد الإدارة الجديدة نحو الشرق الأوسط ذروته في فترة زمنية لم يكن يتوقعها أكثر المتفائلين الذين كانوا قد راهنوا على باراك أوباما حتى قبل فوزه في الانتخابات الأخيرة فالمبعوث جورج ميتشل أنهى جولته الأولى، التي كان قد بدأها من القاهرة وليس من القدس المحتلة، وبدأ الجولة الثانية ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي جون كيري جاء إلى هذه المنطقة في رحلة استطلاعية قادته إلى غزة ودمشق ثم هاهي وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون تأتي في زيارة قادتها إلى إسرائيل بعد المشاركة في مؤتمر إعمار غزة والمنتظر أن تعود قريباً لتقوم بجولات مكوكية بين العواصم المعنية مباشرة بأزمة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية.

ولذلك ولأن إسرائيل تمر الآن في مرحلة ارتباك حقيقي ولأنها تتوجس أكثر خيفة من الإدارة الأميركية الجديدة وبرامجها وتصوراتها تجاه أزمة الشرق الأوسط فإنه على العرب أن يتحركوا بسرعة وأن يتوِّجوا مهرجانات العناق والعواطف الجياشة بالذهاب إلى قمة الدوحة، التي لن يُدعى إليها هذه المرة لا الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ولا غيره، بتصور لمشروع عربي واضح أساسه مبادرة السلام العربية يتوجهون به وفي فترة قريبة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما وإدارته الجديدة.

إن التطورات تتلاحق بسرعة ضوئية وإنه على العرب ألا يضيعوا الوقت بالانشغالات الجانبية فالإدارة الأميركية لديها أولويات كثيرة غير أزمة الشرق الأوسط ولذلك وحتى لا يفتر اندفاعها تجاه هذه الأزمة فإنه لا بدَّ من العمل وبسرعة لتحويل قمة الدوحة من قمة رؤوس مؤتلفة وقلوب مختلفة إلى محطة حقيقية لاندفاعة عربية جديدة واعية وموضوعية لاغتنام هذه الأجواء الملائمة التي تشكل فرصة إن هي مضت دون اغتنامها فإن واقع القضية الفلسطينية سيزداد تعقيداً، وإن الدور الإيراني في هذه المنطقة سيصبح مطلباً ضرورياً حتى من قبل الولايات المتحدة.

إننا إزاء مرحلة جديدة لا تشبهها إلاَّ تلك المرحلة عندما أُخرجت منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت وذهب رئيسها السابق ياسر عرفات (أبوعمار)، رحمه الله، إلى قمة «فاس» الثانية تطارده غيلان الانقسامات وتهدده محاولات شطبه وشطب منظمته من المعادلة التي استجدت بعد أن فقد قاعدة استناده الأساسية في لبنان. يجب التحرك وبسرعة للاتفاق على موقف واحد يذهب به العرب إلى قمتهم الجديدة التي من المفترض أن تنعقد في الدوحة بعد نحو ثلاثة أسابيع والتي إن هي تحولت إلى قمة مزايدات ومناكفات على غرار بعض القمم السابقة فإن فرصة واعدة ستضيع وأن الإدارة الأميركية ستضطر للتعامل مع الأمر الواقع الذي هو إيران ومع هذا التحالف اليميني الإسرائيلي الذي من المتوقع أن يشكل الحكومة الإسرائيلية الجديدة قبل انعقاد هذه القمة.

إن ما يعرفه العرب كلهم، «المعتدلون» و«الممانعون» هو أن هناك إمكانية فعلية، رغم كل هذا الصخب الذي نراه ونسمعه الآن، لتفاهم إيراني – إسرائيلي على شطب الرقم العربي من معادلة الشرق الأوسط وبحيث يكون تقاسم النفوذ في هذه المنطقة بين الإيرانيين والإسرائيليين والأميركيين ولذلك فإنه لا بد من العمل وبسرعة للاتفاق على موقف موحد يستند على مبادرة السلام العربية يتم التوجه به إلى الإدارة الأميركية الجديدة بعد إقراره والمصادقة عليه من قبل قمة الدوحة.

وهنا فإنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن الفلسطينيين ربما يخرجون مـــن جولات الحوار «الماراثونية» هذه وهم أكثر تشرذماً وفرقة وأن الدوحة قد تتعرض لما تعرضت له قمم سابقة وأنها قد تصطدم رغم أن هذا الموسم هو موسم مصالحات وعناق بعقبة المزايدات إياها حيث من غير المستبعد أن تتكرر الدعوات السابقة المطالبة بأن تقطع الدول التي لها علاقات بإسرائيل هذه العلاقات وأن تُعتبر مبادرة السلام بأنها غدت ميتة وغير صالحة. حتى إذا حصل هذا وهو قد يحصل، نظراً لأن المرتبطين بإيران لم يغادروا خنادقهم السابقة ولأن «فسطاط الممانعة» لم «يشلِّع» أوتاده ويطوي خيامه، فإنه على دول «التضامن العربي» التي التقى وزراء خارجيتها في اجتماع أبوظبي الشهير ألاَّ تضيع الوقت في «التغميس» خارج الصحن واستنزاف القدرات في ما يمكن أن يسمى وهم الحركة فالواقع في هذه المنطقة غير مستقر والتطورات المرتقبة قد تتحول إلى حقيقة إن هي تبلورت فعلا فإنها ستشطب الرقم العربي من المعادلة الشرق أوسطية.

هناك الآن ارتباك إسرائيلي وهناك تشوُّشٌ واضح في العــلاقات الأميركية – الإسرائيلية وهناك «قَرَفٌ» عالميٌّ من إسرائيل وسياساتها وتصرفاتها والمفترض أن يغتنم العرب كل هذا وأن يتحركوا بسرعة لكسب ثقة الإدارة الأميركية الجديدة وإقناعها بأنه من غير الممكن رسم إستراتيجية جديدة للشرق الأوسط بدون إلزام الإسرائيليين باستحقاقات السلام وحل القضية الفلسطينية وفقاً لمعادلة دولة مستقلة للفلسطينيين إلى جانب الدولة الإسرائيلية وقبل ذلك وقف عمليات الاستيطان وفك الحصار المفروض على غزة.

لقد مرَّت كل هذه الفترة منذ فوز الرئيس باراك أوباما وانتقاله إلى البيت الأبيض والعرب منشغلون بخلافاتهم الداخلية ومنقسمون على أنفسهم بين «ممانعين» و«معتدلين» وبينما الفلسطينيون كل فريق منهم يغني على ليلاه وبينما استجابت إسرائيل للاستدراج وشنت تلك الحرب المدمرة على غزة وبهذا فإن فترة ذهبية قد مضت بدون أي إنجازٍ عربي فعلي لجهة التحرك في اتجاه الإدارة الأميركية الجديدة وبناء جسور تفاهم وتوافق معها تؤسس للخطوة اللاحقة الهامة التي هي خطوة إنهاء أزمة الشرق الأوسط وحل القضية الفلسطينية الحل العادل الذي يرضي الأجيال المقبلة.

إنه غير كافٍ أن يقول العرب للرئيس الأميركي الجديد وإدارته إنهم يملكون مبادرة لحل أزمة الشرق الأوسط المتفاقمة وأن الإسرائيليين هم الذين يرفضون هذه المبادرة ويرفضون العملية السلمية إن المطلوب هو أن تكون هناك خطة واضحة تأخذ بعين الاعتبار كل ما هو قائم في هذه المنطقة وفي العالم تتوجه بها الدول العربية إلى الإدارة الأميركية الجديدة التي بدأت تحركا جادا بالإمكان التعويل عليه وتطويره تدريجيا ليصل إلى النهاية التي انتظرناها منذ فترة بعيدة.