إبهار..

TT

لا تزال آهات الإعجاب وأصوات تصفيق الأيدي للفيلم الهندي البريطاني المذهل «مليونير الأحياء الفقيرة» تملأ المعمورة، في تحية استثنائية لعمل سينمائي أخاذ، أجمع على تميزه كل من شاهده. الفيلم الذي حاز على أهم جوائز السينما العالمية، منها 8 جوائز من الأكاديمية الأمريكية المعروفة باسم الأوسكار، متضمنة جائزة أفضل فيلم، وكذلك جائزة «بافتا»، وهي أهم جائزة سينمائية بريطانية عن أفضل فيلم، وكذلك جائزة الكون الذهبي المرموقة.

الفيلم يحكي بإبهار قصة صبي من سكان أفقر المناطق العشوائية بمدينة ممباي بالهند، وكيف تحول إلى مليونير عبر فوزه في أحد برامج المسابقات الشهيرة بنسخته الهندية. والفيلم يظهر بوضوح الصراع مع تحديات الحياة، صراع اليأس مع الأمل، والفقر والرغد، الصحة والمرض، وغير ذلك من التناقضات. كل من شاهد الفيلم وتناقش فيه وتحدث عنه كان لديه المشهد المفضل الذي علق بذهنه وشعر بقوّته، مشهد بعينه خاطب مسألة «شخصية»، وهذا سر قوة الفيلم وتأثيره الكبير على الناس. قصة الفيلم عالمية، ومن الممكن أن تحدث مشاهدها في أحياء ريودجانيرو الفقيرة بالبرازيل، أو في أحياء لاغوس بنيجيريا، أو في عشوائيات القاهرة بمصر، أو في أحياء مانيلا بالفلبين. جميع هذه المدن وغيرها تعاني مر المعاناة من انتشار ظاهرة الفقر الكبيرة بشكل مخيف، بشكل يهدد الحياة الاجتماعية السوية ويهدد المنظومة الأمنية بشكل خطير. الفيلم يظهر وبشكل فج الفجوات الهائلة الموجودة في المجتمعات، وخصوصا في دول العالم الثالث بين الغنى والفقير، ويظهر عالم الجريمة السفلي الذي لا يرحم الأطفال، ويجعلهم أسرى في أوكار الرذيلة والدعارة والمخدرات والتسول بشكل غير آدمي ومخيف. هناك نسخ مختلفة قدمت على شاشات السينما من قبل أن تظهر أوضاع الفقراء بشكل مفزع، ولعل الفيلم العربي القوي «حين ميسرة» للمخرج خالد يوسف لا يزال عالقا في الذاكرة، وهو الذي قدم الوضع الإنساني بالمناطق العشوائية بالقاهرة، ووصفه بأنه أشبه بقنبلة موقوتة تفجر الجريمة والرذيلة والإرهاب.

ولكن الفيلم يظهر لنا جزءا جديدا من التألق الهندي المتواصل، الهند التي تأسر العالم بتطورها الاقتصادي وتوسعها الاستثماري الناجح في مجالات الخدمات والتقنية والصناعات والتجارة والزراعة، تقدم اليوم سينما راقية ومختلفة. نعم، لدى الهند «بولييود» غول صناعة السينما في العالم وأكبر مقدم ومنتج للأفلام سنويا، ولكن كان هذا العدد دائما ما يأتي على حساب الجودة، واليوم يقدم هذا الفيلم (بالمخرج الإنجليزي) نموذجا رائعا للإبهار السينمائي، وبميزانية تعتبر متواضعة جدا بمعايير اليوم، فالفيلم لم تتجاوز تكلفة إنتاجه مبلغ 15 مليون جنيه إسترليني، وفاقت عوائده أربعمائة مليون دولار للآن عالميا.

«مليونير الأحياء الفقيرة» يجب أن تكون مشاهدته واجبا على الكثير من عينات المجتمع؛ ليروا العبر ويستفيدوا منها ويراقبوا تطور المجتمعات وتقهقرها بشكل صادم ومدهش، ولكن الرسالة الأهم التي يقدمها الفيلم هي القدرة على الانتصار على الصعاب بالأمل والإيمان والمثابرة، وفي هذه الرسالة تكمن مفاجأة الفيلم المذهلة.

السينما الهندية بإنجازها الأخير، الذي يضاف إلى روائعها الأخيرة مثل «هونسون وينج» و«لاجان» و«نيم سيك»، تقول للعالم وبوضوح إن العالمية مكانها، وإنها لن تقبل غير القمة مكانا لها. والمنافسة دائما مطلوبة وصحية.

[email protected]