مدرسة «أوباما» في أفريقيا

TT

بعد انتخاب باراك أوباما في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، شعر لاجئو دارفور هنا بحماس بالغ لدرجة أنهم انطلقوا في الرقص والغناء. وبعد ذلك بفترة قصيرة، أعاد اللاجئون تسمية المدرسة الأولى في هذا المعسكر البالي وأطلقوا عليها اسم مدرسة أوباما. إنها عبارة عن مبنى مثير للشفقة مكون من الطوب اللبن وسقف من الصفيح، والنوافذ عبارة عن فتحات في الجدران، ولكن يملؤه الأمل في أن يساعد الرئيس أوباما على إنهاء المجازر وعدم الاستقرار في السودان. وسرعان ما سنرى إذا كانت هذه الآمال لها مبررها. فقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة باعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير، بسبب ارتكابه جرائم ضد الإنسانية في دارفور.

وكان هذا حدثا تاريخيا، فهذه أول مرة تأمر فيها المحكمة الدولية باعتقال رئيس دولة وهو في فترة حكمه. وهذا أوضح تأكيد على أنه في القرن الواحد والعشرين، لم يعد ارتكاب جرائم القتل الجماعية امتيازا ينعم به الحكام.

وتسري مخاوف بأن يرد البشير بطرد عمال الإغاثة، أو أن تنتهي اتفاقية السلام الهشة بين الشمال والجنوب إذا تمت الإطاحة بالبشير. ومرارا وتكرارا، استجاب البشير للضغوط والانتقادات بتحسين سلوكه وزيادة تعاونه مع الأمم المتحدة والدول الغربية.

وفي الحقيقة يجب أن تعاد رؤية شعار «إنقاذ دارفور» ليكون «إنقاذ السودان». ويقف كل من شمال وجنوب السودان على الطريق المناسب لاستكمال حربهم الأهلية العنيفة التي أسفرت عن مقتل مليوني شخص حتى تاريخ إبرام اتفاقية السلام الهشة في عام 2005. ولكن بينما يثير إنقاذ السودان تحديات صعبة ومعقدة للغاية، إلا أن الرئيس البشير جزء من المشكلة، والمحاسبة جزء من الحل.

وعلى أي حال، كان لويس مورينو أوكامبو، المدعي العام الأرجنتيني في المحكمة الجنائية الدولية، على حق عندما قال: «المسألة ليست ما سيفعله الرئيس البشير ولكن ما ستفعلونه أنتم». وإذا كان أوباما يحتاج إلى مصدر إلهام، فلينظر إلى فرنسا، لأنها أظهرت أن القادمين من الخارج يمكنهم أن يحدثوا فرقا. عندما كنت هنا في المنطقة الحدودية بين تشاد والسودان عام 2006، كانت ميليشيات الجنجويد التي يرعاها السودانيون تنتشر وسط القرى الأفريقية السمراء في تشاد مرتكبة جرائم القتل والاغتصاب. وفي الفترة الحالية، تحسن الأمن العام كثيرا، ويرجع جزء كبير من ذلك إلى تزعم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لجهود من أجل إدخال قوة عسكرية أوروبية. لقد كان ذلك حلا غير منظم، لأن دولة تشاد فاسدة وأوتوقراطية، ولكن على الأقل لم يعد الدخان الكثيف المتصاعد من القرى المحترقة يغطي سماء تشاد. وفي الرحلة التي قمت بها عام 2006، قابلت عبد الله إدريس المزارع الشاب الذي اقتلع رجال الجنجويد عيناه. حطم قلبي هذا التشويه، خاصة عندما رأيت ابنة عبد الله البالغة من العمر 5 أعوام تنظر إلى وجه أبيها في اشمئزاز، وكأنها رأت وحشا. وفي أثناء رحلتي هذه المرة، تتبعت أثر عبد الله ووجدته يعيش مع أسرته في معسكر للمشردين. وكانت ابنته وزوجته تقودانه في الطريق، يداهما في يديه. وقد تحسنت الحالة الأمنية بما يكفي لأن يعود بعض الأشخاص إلى قراهم من المعسكرات.

لنرفع القبعة لفرنسا! توجد آلاف المشاكل المتعلقة بنشر القوات، ولكن الوضع أفضل بكثير من الوقوف بينما تقتلع الميليشيا أعين الرجال. ومن المؤسف أن الأحوال ما زالت بائسة داخل الحدود السودانية. وتسربت أنباء من دارفور بمقتل أكثر من اثنين من عمال إغاثة إثر إطلاق نار، وهذا علاوة على مقتل 11 وفقدان 4 آخرين عام 2008. ووفقا لأرقام الأمم المتحدة، تضاعف عدد الهجمات العنيفة على عمال الإغاثة في عام 2008 مقارنة بالعام السابق. ولكن يوجد بصيص من الأمل، حيث تنتشر الهمسات في العاصمة السودانية الخرطوم، بأن زعماء سودانيين رفيعي المستوى يفكرون في الإطاحة بالبشير إذا صدر قرار باعتقاله. وفي مدرسة أوباما هنا في شرق تشاد، ينتظر اللاجئون لمعرفة ما إذا كان الشخص الذي تحمل مدرستهم اسمه سيؤيد قرار المحكمة الجنائية الدولية بقوة. وأنا أراهن على أنه سيفعل. وفي دورة الكونغرس الماضية، كان من أقوى ثلاثة مناصرين لأهالي دارفور أعضاء مجلس الشيوخ السيناتور باراك أوباما وجوزيف بايدن وهيلاري رودهام كلينتون، وكانت من أقوى مناصري اتخاذ إجراء في السودان سوزان رايس، السفيرة لدى الأمم المتحدة. (إنها تخيف المسؤولين السودانيين، فلنرسلها إلى الخرطوم، فقد تستسلم القيادة السودانية بأسرها).

وفي الوقت ذاته، تجري إدارة أوباما مراجعة للسياسة تجاه دارفور، وتقوم بها مع آخرين سامنثا باور. وهي مساعدة في البيت الأبيض، يوضح كتابها الرائع «مشكلة من الجحيم» جميع الأساليب التي وجد بها الساسة الأميركيون أعذارا لتجنب مواجهة الإبادات الجماعية السابقة.

ولا شيء يبقى لطلاب مدرسة أوباما إلا الأمل. فدعونا لا نخيب آمالهم.

*خدمة «نيويورك تايمز»