الكلمة السحرية

TT

إنها محطات قصيرة وصغيره وموثقة ولها شيء من الدلالة، فقد جاء في الأخبار أن هناك فتاة تبلغ من العمر ثمانية عشر ربيعا واسمها سارة سكانتلين صدمتها سيارة أثناء سيرها في الشارع وتركتها في حال شبه مشلولة، وهي تدرك كل ما يدور حولها ولكنها غير قادرة على الحركة والكلام.

ومكثت في المستشفى أكثر من عشرين عاما وهي على هذه الحال، وأخيرا اتصل مركز الرعاية في المستشفى بأسرة الفتاة قبل أيام لا ليشرح لهم عن حالتها، ولكن لكي تكلم سارة والدتها قائلة لها: أهلين ماما، وأغمي على الوالدة من شدة الفرحة.

وعادت سارة أخيرا لحياتها الطبيعية بعد أن وصل عمرها إلى الثامنة والثلاثين، وقالت إنها خلال تلك المدة كانت أحيانا تغيب عن الوعي نهائيا، ولا تدري كم يمر عليها من الوقت، وفي بعض الأحيان تفيق وتشعر وتسمع كل الكلام، وتعرف الأشخاص من نبرات أصواتهم، ولكنها لا تستطيع أن تجاريهم أو تحاورهم أو تصحح معلوماتهم، وعرفت طوال تلك المدة من يتعاطفون معها ويحبونها بصدق، ومن يجاملونها منهم أو يضيقون ذرعا بإغماءتها الطويلة، بل إن بعض أقاربها تمنوا لها الموت علنا معتقدين أنها لا تسمعهم.

لهذا يجب على من كان لديهم مريض ذاهب في سابع «كومة» - لا «نومة» - أي فاقد الوعي وطريح الفراش، عليهم أن يراعوا ويتحفظوا بكلامهم وهم متحلقون حوله.

وما أكثر المصابين من هؤلاء الذين ذهبوا إلى رحمة الله متجرعين حسراتهم، من كثرة ما سمعوا من الكلام والضحكات.

* *

ورد في إحدى الصحف المصرية: أن هناك فتاة جميلة كانت تسير في الشارع بأحد أحياء القاهرة، ويبدو أنها راقت في عين أحد الشباب، فأخذ يتابعها ويمطرها بكلمات الغزل والتصفير، ولم تلتفت هي له، ولم يمل أو يتعب أو ييأس هو من ملاحقتها.

وعندما ضاقت به ذرعا وإذا بها تلمح شرطيا للمرور ففرحت المسكينة وكأن طاقة الفرج قد انفتحت لها، فأسرعت تحث الخطى نحوه والشاب يتبعها، وعندما وصلت إليه قالت له: انظر هذا الشاب (السئيل) بهدلني وطوال الوقت وهو يخدش حيائي بالكلمات السخيفة.

فما كان من الشرطي إلا أن يقول لها وهو يحسن من هندامه: يا آنسة لو لم يكن هذا هو وقت عملي، لكنت أنا أيضا تبعتك.

يعني «حاميها حراميها»!! عموما رفع أهل الفتاة دعوى ضد ذلك الشرطي (المراهق)، وكسبوها.

* *

في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، رصدوا كل المكالمات التي وردت من المحصورين في برج التجارة العالمي، ومن المختطفين بالطائرات التي أرسلوها إلى أهلهم وأصحابهم وأحبابهم بالتليفونات المحمولة، ولم يتلفظ أي أحد لا بوصية ولا أوراق تأمين ولا أرصدة في أي بنك، كان كلامهم كله عواطف من نوع: تذكري أنني أحبك، أخبري أطفالي كم أحبهم، اتصلي بوالدتي وقولي لها إنني أحبها.

ترى متى نحاصَر أو نُختطف لكي نقول هذه الكلمة السحرية؟!

[email protected]