أنا فين.. وأنت فين؟!

TT

خلال الحرب العالمية الثانية، وعندما كانت الطائرات الألمانية تدك الجزر البريطانية ليلا ونهارا، وعندما كانت بريطانيا بين الحياة والموت تواجه أصعب مراحلها، أعلن سلاح الجو البريطاني أنه في حاجة ماسة لتصنيع طائرات جديدة، وأهاب بأفراد الشعب أن يقدم كل واحد منهم ما يستطيع، وبدأت (سيمفونية) العطاء، إلى درجة أن الأطفال، وهم الأطفال، كسروا (حصالات) نقودهم وتوقفوا بالطوابير ليتبرعوا (ببنساتهم) القليلة التي ادخروها.

أما النساء فقد حملن أوانيهن المعدنية من القدور والملاعق والشوك والسكاكين وقصدن بها الفرن الكبير الذي صهر في جوفه الملايين من تلك الأواني للتحول إلى طائرات (سبيتفاير) التي فاجأت الألمان بسرعتها وقدرتها على المناورة عندما خاضت المعارك الطاحنة مع الطائرات الألمانية فوق سماء لندن، وكانت الجماهير تتفرج على تلك المعارك مباشرة، وكأنها تتفرج على مباراة في كرة القدم.

وقد قال وقتها (ونستون تشرشل) وهو يشاهد أفعال تلك الطائرات: إن هذا ألذ طبق قدمته نساء بريطانيا في هذه الحرب، ولكنه طبق يحمل السم الزعاف.

قال هذا الكلام، وكان في نفس الوقت يلوك (سيجاراً) بين شفتيه، ويعبث بكأس من الشراب بين يديه.. (أهبّ) عليك يا تشرشل!!

اعذروني سأتوقف عن الكتابة الآن لأنني سمعت جرس الباب يدق، وسأذهب لأفتحه.

والآن أعود للكتابة مرة أخرى لأحكي لكم عن (اللي حصل).

فتحت الباب وإذا وجهي بوجه رجل (مرح)، لا يهمه في هذه الدنيا غير التقصي والسؤال عن (آخر نكتة).. والرجل من بلد شقيق اشتهر أهله بخفة الدم.

أدخلته مكتبي وجلس بمواجهتي، وسألته إن كان يريد أن يشرب شيئاً، فطلب على الفور قهوة (سكر زيادة)، وسألته مرة ثانية عن سبب زيارته بدون سابق إنذار؟! فقال: أبداً (وحشتني)، فرددت عليه: الله لا يوحشلك غالي، فافتر ثغره بابتسامة، دون أن أطلب منه ذلك قال لي: اسمع: اثنين راحوا عند الحلاق، واحد حلق والثاني (أساور).. قال ذلك ثم أخذ يضحك ويضحك ويضحك وأنا أتفرج، غير أنني من شدة ضحكاته أصابتني العدوى (فقهقهت) قائلا له: أكمل، فقال واحد طلع خلقو جاب سلم ونزلو، واحد قعد بالقهوة قام حرق حالو، واحد راح يحلف يمين قام حلف شمال، واحد مرتو بيضا سلقها وأكلها، تاجر فراخ يلعب كوره لعبوه (جناح) أيمن.

فقلت له وقد استبد بي الضحك مع شيء من الأسى: اسكت، اسكت يا شيخ الله يرضى عليك، لقد قطعت قلبي.

تركته يضحك، وقمت من مكاني خارجاً وأنا أقول بيني وبين نفسي: (أنا فين وأنت فين وتشرشل فين)؟!

وكيف أنني بدأت هذه المقالة بالحرب العالمية الثانية، وانتهيت بسلق البيض؟!

[email protected]