مبادرة مبنية على العقيدة

TT

هل يمكن لأوباما أن يجعلنا نستعيد اعتقادنا في الحكومة؟

كانت رسالة الرئيس أوباما إلى الأمة واضحة لا لبس فيها. انقضت حقبة انتقاد الحكومة، وكذا القول المأثور بأن السوق قادر على إنتاج الكثير دون الحاجة إلى تنظيم أو رقابة حكومية أو تدخل. وفي معرض حديثه عن أزمة الثقة الموجودة داخل النظام السوقي، التي تعد الأعمق منذ فترة الكساد الكبير، قال أوباما إن التباطؤ الاقتصادي ليس مبرراً للتراجع عن خططه الطموحة، التي تجعل من مقترحاته في مجالات الرعاية الصحية والطاقة والتعليم أمراً حتمياً لا مفر منه.

قال أوباما: «أعترض على وجهة النظر التي تقول إن مشاكلنا سوف تعتني ببساطة بنفسها، والتي تقول إن الحكومة لا دور لها في وضع أساس لرخائنا الذي نتشارك فيه»، وهو بذلك يكرر ما قاله العديد من التقدميين الأميركيين من قبله. وأضاف أوباما: «يروي التاريخ لنا قصة أخرى، فالتاريخ يذكّرنا بأنه عندما يحدث اضطراب ويكون هناك تحول اقتصادي فإن هذه الأمة ترد بأفكار كبرى وتصرفات جريئة». مثلما فعل فرانكلين روزفلت، كان أوباما يسعى إلى استعادة اعتقاد المواطنين في أن الاقتصاد الخاص سوف يتعافى عن طريق تعزيز الثقة في قدرة الحكومة على التصرف بعقلانية وبصورة مبتكرة فعالة. بيد أنه أكد على أنه لا يريد إجراءً حكومياً بهدف توسيع الحكومة نفسها. وقال إنه دعا إلى خطة تحفيزية كبرى، ليس لأنه يعتقد في حكومة أكبر، «لا أعتقد في ذلك»، ولكن لأن العجز عن القيام بذلك سوف تكون «تكلفته المزيد من الوظائف ويتسبب في المزيد من الصعوبات».

وقال مدير مكتب الإدارة والميزانية بيتر أوزاغ في مقابلة أجريت معه: «نريد القيام بالرعاية الصحية في العام الحالي، ليس فقط لأن ذلك هدف مالي رئيس، ولكن لأن العديد من القوى اجتمعت مع بعضها من أجل القيام به».

ووافق أوباما أيضاً على تعليم لمدة عام واحد على الأقل بعد المدرسة العليا لكل الأميركيين لتجهيزهم لسوق عمل أكثر تنافسية، وأكد على رأيه بأن الرخاء في المستقبل يعتمد على اقتصاد أكثر محافظة على البيئة وأكثر كفاءة من ناحية الطاقة. وهو بذلك يقوم من جديد باستعادة التعهد التقدمي الأميركي بأن الحكومة يمكن أن تستثير ديناميكية اقتصاد يحب المغامرة.

ويقول مساعدون لأوباما إنه في الوقت الذي كان يقوم فيه الرئيس بالدفاع عن التصرف الحكومي، فإنه كان على وعي بتشكك المواطنين في قدرة الحكومة وغضبهم بسبب استخدام الأموال الحكومية لإنقاذ المؤسسات المالية التي ساعدت على حدوث التباطؤ.

وهذا هو السبب في إشارة الرئيس إلى تقليل النفقات في الميزانية التي سوف يعلنها يوم الأربعاء. وهذا هو السبب في شعوره بالالتزام بالدفاع، من جديد، عن خطة التحفيز التي تبلغ قيمتها 787 مليار دولار. قال الرئيس: «أعلم أن البعض هنا وبعض من يشاهدونني في منازلهم يشعرون بالشك فيما إذا كانت هذه الخطة سوف تثمر. أتفهم هذه الشكوك، فهنا في واشنطن رأينا جميعاً كيف يمكن للنوايا الطيبة أن تتحول إلى وعود لم تُلبَّ وإنفاق فيما لا يفيد. ولذا فإنه مع خطة بهذا الحجم تكون هناك مسؤولية كبرى من أجل وضعها في الطريق الصحيح». وبسبب وعي الإدارة أنها تقاتل ضد مسلّمات ضد الحكومة تجذرت بعد حقبة محافظة طويلة، فسوف تسعى الحكومة من أجل البرهنة على أن أموال التحفيز الاقتصادي يتم إنفاقها بحكمة على برامج يرى المواطنون أنها تستحق. ويقول أحد المسؤولين: «يجب أن نفوز في هذه المعركة الخاصة بحزمة التحفيز الاقتصادي»، مشيراً إلى أن تمرير التشريع يعد الجولة الأولى وحسب. وأضاف أنه في النهاية فإنه يجب إقناع المواطنين الذين يعانون من زيادة في معدلات البطالة بأن الحكومة تحسّن من فرصهم.

خلال ما يزيد قليلا على شهر في المنصب الرئاسي، يسعى الرئيس الجديد لتحقيق هدفين يبدو أنهما متناقضان. مرة بعد أخرى، يسعى للوصول إلى المحافظين والجمهوريين عن طريق دعوات البيت الأبيض ووعود بدمج أفضل الأفكار التي لديهم مع خططه الخاصة. وفي الوقت نفسه، يسعى بمهارة لتغيير المسلمات السياسية في الولايات المتحدة والموقف من العمل الجماعي ونظرة المجتمع للحكومة. يتسم خطاب أوباما باللطف، كما أن نهجه يتسم بالشمول. ولكنه لا يقدم إلا تحولا أيديولوجياً.

كان خطاب الرئيس البيان الأكثر شمولا الذي يعرضه حتى الآن لالتقائه مع التقليد التقدمي الأميركي. قال الرئيس: «سنعيد البناء، وسنعيد الحياة، وستظهر الولايات المتحدة الأميركية أقوى من أي وقت مضى». إذا كان على حق، فسيكون عليه أيضاً أن يعيد بناء الليبرالية الأميركية.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»