توقيف البشير.. وضحايا دارفور

TT

وأخيرا وكما كان متوقعا صدرت مذكرة الاعتقال بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير وذلك كإدانة له بحسب محكمة الجرائم الدولية لارتكاب عدد غير بسيط من الجرائم والإبادة بحق سكان إقليم دارفور. وطبعا انطلقت الأصوات ما بين مؤيد وما بين معترض عليه. وأجد أنه من المهم جدا التعاطي بموضوعية شديدة مع ما حدث حتى تتم الاستفادة القصوى. دارفور اليوم تحولت لبؤرة ملتهبة ومستودع للإجرام، قطاع الطرق، جماعات النهب المسلح ومسرح لتصفية الحسابات ما بين الحكومة وخصومها. ولكن من المهم القول بأن المشكلة بدأت منذ عام 1957 وخاضت من وقتها المنطق (15 قبيلة منها) 4 حروب بين قبائل أفريقية – أفريقية، والباقي حروب أفريقية – عربية، وسكوت الحكومات المتعاقبة بالسودان عن هذا الوضع المتردي هو إدانة واضحة ضدها، واتهام بممارسة تلك الحكومات لسياسات عنصرية متطرفة على السكان السودانيين المسلمين الأفارقة، وطبعا تأثرت المنطقة المتاخمة لحدود ليبيا وتشاد بالصراع الليبي ـ التشادي، والصراع التشادي ـ التشادي وانتقلت تلك المشاكل إليه. ويبلغ تعداد الإقليم ما يقارب الستة ملايين نسمة مكونة من قبائل رحل وأخرى قبائل مستقرة. وبدأت المشاكل بسيطة كصراع على مواقع الرعي والزراعة بين القبائل، وتحولت القبائل المتناحرة إلى ميليشيات مسلحة منها ما يتلقى الدعم الحكومي الصريح ومنها من حورب بضراوة، ولكن دائما كان الإقليم مهملا وتمارس ضده تفرقة عنصرية صريحة في التعليم والتوظيف حتى بات إحساس مواطنيه أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، ولا يمكن أن يتحولوا إلى مواطنين كاملين بسهولة. وتفاقمت المشاكل في عهد الإدارة السودانية الحالية، ولم تتعاطَ مع المشكلة الإنسانية بالجدية والمسؤولية والمصداقية المطلوبة، فتكابرت على المشكلة وأهملتها، وكانت تقول إن معظم الموتى من ضحايا دارفور هم ضحايا المجاعة والمرض وليسوا ضحايا التصفيات والاغتيالات من قبل الفصائل المسلحة، وهو عذر أقبح من الذنب لأن هناك إحصائية تعتمد عليها الحكومة تقول إن 80% من الموتى هم ضحايا سوء التغذية والأمراض، وهذه إدانة دامغة للحكومة بتقصيرها في توصيل الخدمات الصحية والمعونات الغذائية لأبناء بلادها في أحد أهم الأقاليم بها. وأي حكومة تعامل مناطقها بمكيالين وتنحاز لصالح جهة على حساب الأخرى تستحق العقوبة التي تنالها بدون أي شفقة عليها.

وكون أن المحكمة الدولية للجرائم «تكيل بمكيالين» وتغض النظر عن جريمة إسرائيل في حق الفلسطينيين، وجرائم جورج بوش وجماعة المحافظين بحق العراق، فهذا أمر لا يمكن إنكاره، ولكن هذا لا يعفي الحكومة السودانية عن مسؤوليتها وإهمالها الجسيم بحق مواطنيها طوال هذه السنوات، وبطبيعة الحال لن ينظر للمحكمة الدولية بعين الجدارة والاحترام طالما بقي شارون وأولمرت وبيريز وباراك وليفني وجورج بوش ورامسفيلد وولفوويتز خارج دائرة الاتهام لجرائم حرب ارتكبوها بحق أبرياء عزل. وحتى يتم ذلك فلننظر للدروس والعبر التي حصلت جراء مظلمة عنصرية بحق أبرياء ولعل هناك عظة يمكن الاستفادة منها.

[email protected]