إلى أين يا رئيس؟

TT

ملاحقة واعتقال ومحاكمة، كلمات مهينة ومرعبة في حق أي فرد، فما بالكم بزعيم يحكم بالحديد والنار منذ أن انقلب على الديمقراطية في بلاده قبل عشرين عاماً.

ليست بالمرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي ينادى فيها على زعيم، فقد سبقه للمحكمة طاغية يوغسلافيا، ميلوسوفيتش، ولم تنفعه حماية أقاربه وأبناء طائفته الروس، وكذلك حاكم ليبريا تشارلز تايلر الذي يقبع في الحبس.

الرئيس عمر البشير يبدو أنه الوحيد الذي لم يفهم في البداية، مع تسارع الأنباء، خطورة مجازر دارفور، ويبدو أنه الوحيد الذي لم يصدق أن هناك محكمة وملاحقة، حيث ظل ينفي ويسخر حتى أعلنت المحكمة اقتناعها بصحة الدعاوى ووافقت على إصدار أمر بملاحقته وحبسه انتظاراً لمحاكمته.

لهذا فإن تفكير الحكم في الخرطوم واستراتيجيته في مواجهة المحكمة متوقع مثل كتاب مفتوح. فقد بدأ بطرد المنظمات الإنسانية، التي كانت تساعد النازحين في الإقليم المنكوب، اعتقاداً منه أنه يفيد في الضغط على المجتمع الدولي، حتى يتنازل عن ملاحقة الرئيس البشير. وفي الحقيقة القرار يزيد المجتمع الدولي إصراراً لا العكس. ولو تسربت أنباء جديدة عن عمليات إبادة في دارفور سترتفع المطالب الدولية بالتعجيل بمحاسبة الحكومة. ولا يستبعد أن يطرد البشير القوات الأفريقية الدولية أيضاً اعتقاداً منه أن ذلك يزيده أمناً، في حين أن ذلك سيفقده القلة القليلة في العالم التي تسانده، وسيزيد عزلته. فالجامعة العربية لن تفيده، بل تمارس في وساطاتها واجبات المجاملة. والدول العربية منشغلة بهمومها، ولن تفرط في أوراقها التفاوضية من أجل البشير، والقلة التي تمنحه الوعود تستخدمه فقط في تسجيل حضور سياسي على حسابه. في النهاية، عليه أن يواجه الاتهامات بجبن أو شجاعة، بدل أن يتحداها.

على الحكم في السودان أن يعترف أولا أنه أخطأ كثيراً، وعليه أن يدرك أنه جاهل في فهم المنظومة الدولية وإلا ما وضع نفسه في مأزق كانت كل الإشارات تدل على أنه سيحاسب منذ ثلاث سنوات وظل يرفض منع المجازر المريعة. وإلى يومنا لا يزال جاهلا في فهم آليات العمل السياسي الإقليمي والدولي، وبالتالي سنراه يغرق نفسه بارتكاب المزيد من الأخطاء، ومن يشهد تقاطر الإيرانيين على الخرطوم يعرف أن في العاصمة السودانية غريقاً يائساً يتعلق بقشة. ما الذي يمكن للإيرانيين أن يمنحوا النظام؟ فقد تحالف معهم من قبل، وسببوا له فساد علاقاته مع العرب الآخرين ومواطنيه السودانيين. الحقيقة بقي القليل للبشير أن يفعله، والقليل هو شخصياً الوحيد القادر على فعله، عليه أن يتحدى المحاكمة بحضورها وليس بالهرب منها. عليه أن يقدم التزاماً للمحكمة بأنه يحترمها، ومستعد للمثول متى ما حانت المحاكمة. وربما يسمح له أن يبقى في الخرطوم حتى ذلك الحين، وفي المحكمة ربما يحظى ببراءة لو انشغل من الآن بالتحضير لمرافعته قانونياً بدلا من استضافة الإيرانيين والمنظمات الإرهابية اعتقاداً منه أنه يخيف العالم بهم.

[email protected]