أعداء الحياة!

TT

أخشى ما أخشاه أن تذهب صرخات المخلصين من أبناء الأمة الإسلامية سدى في تحسين صورة المسلمين في عيون العالم، فعوامل الهدم والتشويه والإساءة إلى الصورة من داخل المجتمع الإسلامي أكبر، وأخطر، وأعظم، فماذا يستطيع المخلصون قوله لتفسير ما تقوم به طالبان باكستان ـ كمثال ـ وهي تفجر في وادي سوات أكثر من 190 مدرسة، جلها لتعليم البنات لمنع الصغيرات من التعلم؟! وكيف يستطيع المخلصون تفسير النظرات المتخلفة تجاه المرأة في أماكن كثيرة من عالمنا الإسلامي؟! وبأي قدرة يستطيعون تبرير مواقف البعض المتشنجة تجاه الفن، والثقافة، ومستجدات العصر؟!

في ظل كل هذه المناخات المتزمتة، والانغلاقية، والموتورة أشعر أن جهود المخلصين من أبناء الأمة الإسلامية بدلا من أن تتجه لتحسين الصورة في عيون العالم، عليها أن تعمل أولا على تصحيحها في الداخل، فالصورة قاتمة، معتمة، كئيبة، والضوء البعيد في نهاية النفق يوشك أن لا يراه سوى الممعنين في التفاؤل، فسيل التنازلات الذي بدأ في باكستان بإذعان السلطات على التفاوض مع طالبان باكستان، وإطلاق يدها لتطبيق مفهومها الخاطئ للشريعة الإسلامية في منطقة نفوذهم يشكل بادرة خطيرة لا سابقة لها، وحالة إذعان سرعان ما ستنتقل عدواها إلى مناطق أخرى داخل باكستان وخارجها، وما أتوقع حدوثه في الصومال لن يبعد كثيرا عما حدث في باكستان، كما أن طالبان أفغانستان بسجلها الإنساني الأسود لم تزل تطل برأسها، وتنتظر تراخي القبضة المحيطة بها لتلتهم أفغانستان من جديد، ولا أستبعد في ظل هذه السياقات أن تذعن السلطة الأفغانية ذات يوم فتقدم الكثير من التنازلات لصالح حركة طالبان.

والنجاحات المجزأة في الحرب على الإرهاب هنا أو هناك لا تكفي لتشكيل حالة طمأنينة إن لم تأخذ أشكالا متسقة ومتوازية في مختلف المناطق الإسلامية، فالإرهاب يعيش حالة توحد، وانتشاره السرطاني قابل للانتقال السريع من منطقة لأخرى، وسيظل خطره قائما لو بقيت بؤرة واحدة على وجه الأرض تكفي لإيوائه، واحتضان ثقافته، وتصديره.

وأنا حزين أن تذعن باكستان، وهي أكبر القوى في العالم الإسلامي لابتزاز طالبان فتقدم على طبق من ذهب منطقة بكامل أهلها، وسكانها، وأحلامها، وآمالها، وخيراتها هدية سخية للمتشددين، أعداء الحياة، يعيثون فيها ظلما وتخلفا وجهالة، وأستطيع أن أتخيل بحسرة صوت الفتاة الباكستانية التي كانت تحلم بأن تكون طبيبة، وهي تقول لمراسل وكالة الأنباء الفرنسية بحزن: «علموني أن الإسلام يقول إن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، لكن طالبان دمروا مدارسنا»!

فأي أمان في عالم يقتل حتى أحلام الصغار؟!

[email protected]