المهرولون الجدد

TT

أول تعليق سمعناه من حزب الله على فتح قنوات اتصال بينهم وبين الخارجية البريطانية هو أنها «خطوة في الاتجاه الصحيح» على الرغم من أن لندن تقول إن تلك الخطوة بمثابة بالون اختبار، بل إن نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم رحب باللغة الجديدة تجاه حزبه!

لكن دعونا من مغزى تلك الخطوة، وإن كان الأمر يستحق الكثير من الأسئلة، خصوصاً أنه لا فرق بين حزب الله الجناح السياسي أو العسكري إلا لدى البريطانيين، ففي النهاية المسألة كلها مرتبطة بالولي الفقيه.

اللافت هو اعتبار الحزب الإلهي هذه الخطوة على أنها إيجابية، وهنا يكون السؤال: لماذا إذاً كل ذلك السيل من الشتائم والتخوين لمخالفي الحزب في لبنان ووصفهم بأنهم عملاء أميركا وبريطانيا، ما دام التواصل مع الغرب أمراً إيجابياً؟

لماذا لم يعد فيلتمان شيطاناً يكمن في التفاصيل؟ ولماذا لم يعد الغرب مستعمراً ومنفذاً للمخططات الصهيونية كما كان يقال؟ أم أن القصة كلها هي وفق مبدأ «يا فيها يا اخفيها» الشهير؟

وهنا دعونا نتوقف أمام ما قاله الوزير محمد فنيش الذي رحب بخطوة الخارجية البريطانية قائلا إن قنوات حزب الله مفتوحة «للتحاور والتواصل مع أي بلد»، وهذه هي السياسة، لكن لماذا عندما يتحاور ويتواصل الآخرون يصبحون خونة في نظر الحزب وأعوانه، ومظلته؟

الأمر لا يتعلق فقط بحزب الله، حتى حركة حماس الإخوانية حرصت على إرسال رسالة للرئيس أوباما، ولو من تحت عقب الباب، مفادها أن الحركة هي المشروعية في غزة، وعليه لا بد من التعامل معها.

ليس المقصود هنا مناقشة الحوار، فلذلك مقال آخر، بل مناقشة من كانوا يصورون كل من يتواصل مع المجتمع الدولي على أنه خائن وعميل، وعليه فلا بد أن يتنبه المتابعون إلى أن من يرفعون الصوت تخويناً وشتيمة للساسة العرب هم من يهرولون اليوم إلى الغرب.

فإيران مدعوّة اليوم إلى حضور مؤتمر حول أفغانستان مع الأميركيين، وسبق لها أن حضرت اجتماعا مماثلا في العراق في أيام بوش لا أوباما، وبالتالي لا بد أن يطرح المتابعون اليوم سؤالا مختلفا عن الذي يتردد منذ فترة. فبدلا من التساؤل حول إمكانية أن تبرم واشنطن صفقة مع إيران ضد دول المنطقة، فيجب أن يكون السؤال: لماذا تهرول طهران، وحزب الله، وحماس وغيرهم إلى أميركا، والغرب، كلما كشفت واشنطن عن طرف الساق؟

إذا تأملنا هذا السؤال جيداً حينها سنفهم لماذا تقاتل طهران لإظهار نفسها حريصة على القضية الفلسطينية، وسنفهم ما الذي يقصده حزب الله بحماية السلاح، كما سنفهم لماذا كانت تطلق صواريخ التنك من غزة، ولماذا تعتقل حماس اليوم مطلقيها على إسرائيل.

ملخص القصة كله أن تلك الأطراف تريد أن تقول للغرب، إنهم هم من يملك مفاتيح الحل في المنطقة، وعليه فلا بد أن يكون التفاوض معهم، لا مع الآخرين الذين كانوا يوصفون، إلى قبل ساعات، بالخونة والعملاء للغرب، والصهيونية!

هذا ما يجب التنبه له اليوم، وهذا ما يجب تذكره في الغد!

[email protected]