حارس المرمى

TT

أفهم أن يستأجر بعض الناس من أهل الميت النساء (الندابات)، ليولولن ويضربن على صدورهن ويشققن جيوبهن من شدة الحزن (المفتعل) على الميت الذي قد لا تعرفه أو شاهدته أي واحدة منهن في حياته، ولكن لا بأس من ذلك طالما أن هذه هي (شغلتهن) التي يأكلن من ورائها عيشا، فرزق الهبل مثلما يقولون هو على المجانين.

وطالما أنهن يؤدين أدوارهن بكفاءة وحماسة منقطعة النظير، وطالما أن أهل الميت سعداء بهذا الحزن، وراضون بهذه (الزفة الجنائزية)، فما المانع بذلك (فما دام القاضي راضي) ايش دخلك يا فاضي؟!

وبعضهم يستأجر من يقرأ القرآن ويستميت بتلاوة الدعوات يومياً على قبر الميت لعدة أشهر ويقبض أتعابه في النهاية على (داير مليم).

وقد لا يكون في ذلك بأس، فقراءة القرآن كلها خير وبركة، ولكن في النهاية لا ينفع الميت غير عمله الذي انقطع بعد أن لفظ آخر أنفاسه.

وهذا ذكرني بما كنت أفعله في أثناء دراستي، فطوال السنة كنت ألعب وأمرح وأزوغ ولا أحل الواجبات أولا بأول، ولكن ما أن يقترب موعد الامتحانات حتى (أتبتل) وتزداد جرعات الإيمان عندي، وألتزم بأداء الصلوات في أوقاتها، وأكثر من الدعاء في أواسط الليل وأسكب الدموع المدرارة راجياً من الله أن تكون أسئلة الامتحانات سهلة، وأن ينجحني في النهاية، بل إنني أحياناً (أزودها حبتين) وأطلب منه تعالى أن أكون من الأوائل.

ومع الأسف، فإن دعواتي كانت أغلبها غير مستجابة.

ومثل هذه الأمور لا تحصل عندنا فقط، بل إنها قد تحصل عند أقوام غيرنا، مثلما قرأت عن نادي (هايدوك سبليت) الكرواتي في كرة القدم.

فقد أقدم هذا النادي على استئجار (19 راهبة) من إحدى الكنائس، مهمتهن هي الدعاء للفريق بالنصر، ونص الاتفاق على أن تتقاضى كل راهبة مبلغ (2500 يورو) شهرياً.

وفعلا كانت الراهبات يأتين إلى الملعب في كل مباراة بزيهن المعهود، ويجثين على ركبهن ويأخذن بالدعاء الحار، غير أن النتائج لم تكن مرضية، وكاد الفريق يهبط إلى الدرجة الثانية.

وحصلت مشكلة بين الفريق والكنيسة، وحجة الفريق كانت متركزة على الراهبات لأنهن لم يحسن الدعاء كما يجب، غير أن المحكمة حكمت لصالح الكنيسة والراهبات ضد الفريق.

وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فقد كنت في صباي منتمياً لفريق كرة القدم، ومن هبالتنا فقد اقتنعنا بعرض تقدم به أحد (المشعوذين) إلينا، وهو أنه يستطيع أن يعمل لنا (دنبوشي) وهو نوع من السحر يجعلنا ننتصر في المباريات، ويأخذ مقابل ذلك عن كل مباراة ألف ريال ـ وزيادة في مصداقيته ـ قال لنا: إنكم إذا هزمتم لن آخذ منكم ولا ريالا واحدا، وبالصدفة انتصرنا في بعض المباريات وازدادت قناعاتنا بذلك المشعوذ، ولم نصح على أنفسنا ونفطن لغبائنا، إلا بعد أن هزمنا في آخر مباراة (سبعة صفر) من الفريق المنافس، وكنت أنا حارس المرمى.

[email protected]