بنك لوسي

TT

في أواخر الستينات، كان التلفزيون اللبناني يعرض، بالأبيض والأسود، مسلسلا أميركيا جذابا، عنوانه «أحب لوسي». وتقوم بالدور الرئيسي فيه الممثلة لوسيل بول، أعذب حضور عرفته الشاشة. كان موضوع الحلقات اليومية لا يتغير: لوسي، المرأة المهملة، تقع دوما في مشاكل لا ينقذها منها سوى مدير البنك في الحارة. وهو رجل محافظ، ذو شاربين رفيعين، وشعر لماع، ولا يخلع ربطة عنقه لكي لا يخلع وقاره.

لوسي تبذر وتهدر ومدير البنك ينصحها بالتوفير. تغامر وينصحها بالتأني. تعدد مصروفاتها فيعلمها كيف تزيد توفيراتها. هكذا كانت صورة المصرف في السينما وفي الحقيقة: البنك هو المخزن الذي يحرص على ودائعك، وهو «القجة» الكبرى. أما «القجة» الصغيرة فتضع فيها النقود المعدنية في البيت. وللأسف لم تعد هناك نقود معدنية تستحق أن تجمع. قيمتها اليوم مثل قيمة الروبية. وقد أعطي أحد مهاجمي فنادق مومباي نحو 220 ألف روبية أجرته، أو مكافأته، على أن يرش بالرصاص كل مخلوق يظهر أمامه. ويعادل المبلغ نحو 1500 دولار. أي نحو مائة دولار لكل جثة، نزيلا أو عاملا أو نادلا أو عابرا كان ذاهبا لشراء صحيفته من مكتبة البهو.

هناك بنوك عربية كثيرة لها سمعة «بنك لوسي». مصارف اشتهرت بأنها مبالغة في المحافظة لكنها توحي بأكبر قدر من الطمأنينة. وكان لي صديق قريب جدا في مجلس إدارة أحد البنوك العربية، فسألته مرة إن كان يساعدني في تعيين موظف محمل بالشهادات والكفاءات. فوعد فورا وخيرا، لكن بعد أيام اتصل يعتذر. قال: «للرجل كفاءات عدة وعلة قاضية. إنه كثير التنقل. لا يمكن أن نسلم عملاءنا إلى رجل لن يمضي معهم سنوات طويلة». وكان يُروى عن عبد الحميد شومان صاحب «البنك العربي»، أنه لا ينام قبل أن يتأكد من أن جميع الفروع قد حصلت ديونها. وكانت تُروى نكات كثيرة عن مدى مبالغته في الحرص.

كم ذلك أفضل من رواية المآسي عن مصارف اليوم. لقد تحولت بعض البنوك إلى مغائر علي بابا، وهدمت وخربت ودمرت ملايين البيوت، فيما المديرون يحصدون «المكافآت».