من عاداتهم الغريبة

TT

لا يكاد توفيق الحكيم يراني حتى يقول: «افتكرتك بالأمس!».

أما السبب، فهو أنه قرأ كتابا لي يضم أربعين قصة قصيرة ترجمتها من الأدب الإيطالي للكاتب الكبير صديقي ألبرتو مورافيا. ثم يتحدث الحكيم عن موجة الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية.. فمثلا قامت الممثلة الكبيرة صوفيا لورن ببطولة فيلم عن الحياة في روما بعد الحرب العالمية الثانية. وقد ارتدت فستانا واحدا ممزقا من أول الفيلم إلى آخره.. ولم تكن في حاجة إلى أية فساتين أخرى. وظهرت الممثلة الإيطالية جينا لولو برجيدا بـ«شبشب» طوال فيلم آخر. وهى زوجة مدرس حساب، انصرف عنها؛ فاتجهت إلى الشارع؛ وكان أول واحد ـ من بختها ـ لوردا إنجليزيا عاكسها؛ فركبت إلى جواره، وهي «قرفانة» منه، ومن هذه المهنة المهينة. ولكنه ببرود شديد قال لها عبارة نطقها بالإيطالية، وكأنه يبصق في وجهها وملايين المتفرجين، قال: «سوف تتعودين!».

وقلت لتوفيق الحكيم «إن هناك فيلماً إيطالياً جديداً»؛ فأسعده ذلك. وذهبنا إلى السينما. واشترى تذكرة. ودخل وحده، كأننا لم نأت إلى السينما معا. وانتظرته؛ فلم يعد.. فدخلت.. ووجدته جالسا في منتصف السينما. ولما انتهي الفيلم، لم ألاحظ أنه يبحث عنى، وإنما سار في الشارع عائدا إلى بيته متفاديا الميادين.. واتجه إلى شارع السفارة الأمريكية، فالسفارة البريطانية التي تبعد عن بيته بضعة أمتار..

وفى اليوم التالي قابلته.. فلا اعتذر، ولا قال شيئا يدل على أننا كنا معا، وإنما قال: «أنا أحب الأفلام الإيطالية، فليس لها جمهور. والسينما خالية تماما. وهي فرصتي لكي أنام فيها بعمق!».