البشير في مسرح القضية

TT

توجه الرئيس السوداني عمر البشير أمس إلى دارفور، «مسرح القضية» بينه وبين المحكمة الجنائية الدولية، في زيارة وصفها البعض بأنها مفاجئة، مع أنها كانت متوقعة في إطار التحركات والتصريحات الصادرة أخيراً في إطار لغة التحدي التي انتهجتها الحكومة السودانية حتى قبل صدور مذكرة الاتهام الدولية. وفي إطار هذه اللغة التصعيدية قال البشير أمس وأمام الدارفوريين عن مذكرة أوكامبو إنها «تحت جزمتي»، كما لمح إلى احتمال طرد بعثات دبلوماسية أو قوات أجنبية في إطار المواجهة الراهنة، مطالباً بإلغاء قرار الاتهام والتوقيف وليس فقط بتجميده «أو عليهم أن يموصوه ويشربوا مويته». وأضاف كذلك بُعداً جديداً في التصعيد عندما قال محذراً الغرب «ذبحنا المستعمر هيكس باشا (في القرن التاسع عشر)، وذبحنا غوردون باشا الحاكم البريطاني (في القرن التاسع عشر أيضاً)، وهي عبارات عندما تستخدم اليوم لا تثير في ذاكرة الغربيين إلا صور الذبح التي نفذتها عناصر من «القاعدة»، وبالتالي ترتبط في أذهانهم بالإرهاب.

إن هناك ما يشبه الإجماع بين مختلف الأطراف الحريصة على السودان بعيداً عن المزايدات والشعارات والبيانات، على أن التصعيد لا يفيد ولن يساعد في البحث عن حلول. وهذا التصعيد لم يفد أيضاً في السابق عندما تجمعت المؤشرات على أن مذكرة الاتهام الدولية ستصدر، وأنها ستطال البشير. ولم يكن مشجعا رفض الخرطوم لاقتراح القاهرة بعقد مؤتمر دولي لأزمة دارفور كمدخل لمعالجة القضية برمتها. فالرفض إذا كان لمجرد التصعيد فهو تصعيد في غير محله، وإذا كان على أساس ما يردده البعض بأنه رفض لتدويل أزمة دارفور، فإن الأزمة دولت وشبعت تدويلا، وإلا فما معنى وجود قوات افريقية في دارفور بتمويل دولي وقبول سوداني رسمي؟

والواقع أن هناك ورطة حقيقية، من مصلحة الخرطوم أن تستوعبها، فبينما أن الكثيرين لا يتمنون رؤية رئيس بلد يساق إلى محكمة جرائم الحرب أو تطارده مذكرات الاعتقال الدولية وهو لا يزال على سدة الحكم، إلا أن العديد من الأطراف العربية ترى أنه من الصعب على العرب رفض المحكمة الدولية، في حين أن هناك محكمة دولية ستنعقد في قضية اغتيال رفيق الحريري. كما أن الجامعة العربية أشارت إلى أنها تبحث التحرك للمطالبة بمحاكمة مسؤولين إسرائيليين على ما ارتُكب في قطاع غزة خلال الحرب الأخيرة، وبالتالي فإنها ستخسر حجتها لو وقفت ضد مبدأ المحاكمات.

ليس هناك من جدال أن انتهاكات لحقوق الإنسان حدثت في دارفور وعلى نطاق واسع وخلال فترة طويلة، وهي انتهاكات شاركت فيها مختلف الأطراف المسلحة، سواء من الطرف الحكومي أو من جانب حركات دارفورية. والمشكلة أنه بدلا من البحث عن حل سياسي تركت الحكومة السودانية الأزمة تتفاقم وسلحت ميليشيات وعملت على شق صفوف الحركات الدارفورية حتى تكاثرت إلى الحد الذي عقّد مساعي التفاوض ومقترحات الحلول. ولم تحسن الخرطوم قراءة الواقع الدولي الجديد الذي جعل قضية دارفور تكتسب زخماً دولياً لم يحدث حتى مع قضية جنوب السودان، على الرغم من أن الحرب هناك كانت أطول وأشرس. واليوم تواصل الخرطوم نهج القراءة الخاطئة نفسه فتلجأ إلى لغة التصعيد بدلا من نهج التفاوض والبحث عن حل لحرب، ضحاياها أولا وأخيراً من السودانيين.. فالمعركة لن تكسب بإطلاق الأغاني والنعوت على أوكامبو أو التلويح بالذبح، وإنما بالتعاون مع أطراف عربية وغير عربية تريد العمل مع الخرطوم لوقف الحرب في دارفور، كمدخل لمعالجة موضوع المذكرة الدولية.

[email protected]