كاريكاتير غير لائق ورد فعل خاطئ

TT

أصبح الغضب الذي تسببت فيه الرسوم الكاريكاتيرية أمرا مثيرا للضجر، وكذا الحاجة إلى توضيح، مرة بعد أخرى، كيف أن التعرض للإساءة ليس سببا للاقتتال.

ليس المسلمون هذه المرة هم من يقومون بأعمال شغب في الشوارع، ولكن، القس آل شاربتون هو من يقود الاحتجاجات ضد رسم كاريكاتيري لصحيفة «نيويورك بوست»، ينظر إليه القس ومعه آخرون على أنه رسم عنصري.

لقد تناول الرسم حدثين وقعا أخيرا: إطلاق الشرطة النار على قرد من نوع الشيمبانزي انتابته نوبة هياج، ومشروع قانون خطة التحفيز الاقتصادي. رسم رسام الكاريكاتير سين دلوناس، قردا من نوع الشيمبانزي وسط بركة من الدماء أمام رجلي شرطة، بيد أحدهما مسدس يتصاعد منه الدخان. ويقول أحدهما في الرسم: «عليهم العثور على شخص آخر لكتابة مشروع قانون خطة التحفيز الاقتصادي المقبلة».

إذا لم تفهم الكاريكاتير، فهناك سبب وجيه. إنه كاريكاتير سيئ. رسم كاريكاتيري لم يؤت ثمرته. والربط بين الحدثين لم يكن صحيحا كي يقابله أي استحسان.

عندما تبصر عين العقل كلمة «تحفيز» تفكر في الرئيس باراك أوباما. ربما كتب مشروع القانون أي من أعضاء الكونغرس، ولكنها في النهاية حزمة أوباما للتحفيز الاقتصادي. وعندما تبصر عين العقل الشيمبانزي وهو ميت لا ينتبه بالطبع إلى الخبر، الذي تناول حيوانا يهاجم امرأة، ولكنه يلتفت إلى تاريخ طويل من تجريد الصفات الآدمية عن السود.

ربما يحدث ذلك دون وعي، ولكنه يحدث. تجريد الصفات الآدمية عن أي شخص لم يكن على الإطلاق شيئا مضحكا. يعتمد رسام الكاريكاتير على الفهم المشترك بين القراء للرموز والاستعارات، وربطهم في اللاوعي بين الصور والأفكار. وعلى ضوء ذلك، يتعين على رسامي الكاريكاتير أن يكونوا على وعي بالطرق الكثيرة، التي يمكن أن يتم عن طريقها ربط هذه الرموز في إطار وقت وسياق محددين. الرسم الذي قام به دلوناس، كان مهينا لأسباب لا علاقة لها بالعرق. فلا يوجد إنسان عاقل يستمتع بالنظر إلى، أو القراءة عن، رجال من الشرطة يقتلون الشيمبانزي. ومما يعزز الشعور بالاشمئزاز من قتل هذا الحيوان الضعيف وتركه ينزف، معرفة الهجوم الرهيب الذي قام به على امرأة، كانت في ذلك الوقت في حالة خطرة.

ليس أمرا مضحكا. اسمحوا لي بإضافة مستوى آخر من الفهم الثقافي، العنوان الذي يطالعنا كثيرا: «شرطي أبيض يطلق النار على رجل أسود لا يحمل سلاحا». يمكن للمرء أن يقتنع بالظروف التي تحيط بكل حالة، ولكن تشير الأدلة الإحصائية إلى أن عمليات إطلاق النار هذه تحدث كثيرا. هل اعتقد أن دلوناس كان يقصد إلى الإشارة إلى كل هذا؟ الإجابة: لا، على الإطلاق، مع أن رسامي الكاريكاتير لديهم دوافع لا وعي كما هو الحال مع أي شخص آخر. ربما كان قد فكر في التفسير العنصري المحتمل، وبرر قراره بأنه لم يكن يقصده على هذا النحو.

يقوم رسام الكاريكاتير بإجراء تقييمات فنية وتحريرية كل يوم، مع أن بعض الرسامين لديهم حكم أفضل من الآخرين. ومع ذلك، حالة الغضب أكبر من الإساءة، والمطالب بتحقيق عدالة عقابية أخطر من رسم كاريكاتيري حقير.

كل ما أعرفه عن الكاريكاتير تعلمته خلال النقاشات الطويلة الكثيرة مع رسام الكاريكاتير السياسي الراحل دوغ مارليت، وهو عملاق في مجال الرسم الكاريكاتيري، وأحد البارزين في مجال الصحافة. في أوقات مثل هذه، أتساءل ما الذي كان سيقوله، مع أنني أعتقد أني أعرف.

لو كان حيا في الوقت الحالي، أشك في أن مارليت سوف يبحث عن أي شيء يمكن الدفاع عنه في الرسم الكاريكاتيري محل النقاش. ومع أنه كان يهاجم الفرص المكافئة، خاصة عندما يكون الأمر ذو علاقة بالدين أو السياسة، لم يكن الهجوم في حد ذاته هدفا له في يوم من الأيام. كان الهدف هو أن يكون فعالا، وكان الهجوم هو المنتج الثانوي العرضي.

ولكن، كان دلوناس مهينا دون أن يكون فعالا، لأنه لم يكن لديه شيء ليقوله. قيام الشرطة بقتل الشيمبانزي، وسوء مشروع قانون خطة التحفيز الاقتصادي، لم يكن جوهر إلهام. شيء بسيط سيئ لا يتسم بالفطنة.

لو كان مارليت يفكر في استخدام الشيمبانزي وسيلة من أجل الوصول إلى نقطة أكبر، ما كان ليجعلها نقطة محورية لأي شيء يمكن أن يرتبط بأول رئيس أفروأميركي في الولايات المتحدة. لم يكن هناك من هو أكثر استيعابا لما يمكن أن يدور في اللاوعي أو تحركه صراعات الحقوق المدنية. وتاريخيا، كان استخدام فكرة شرطيين يطلقان النار على حيوان لتصوير السود على أنهم أقل من الآدميين، في سياق قيام رئيس أسود بتقديم تشريع، سيبدو بغيضا من الناحية الأخلاقية ناهيك عن كونه ربطا غير مضحك.

ومع ذلك، كان مارليت سوف يدافع عن حق رسام الكاريكاتير في الفشل، وفي الهجوم على الآخرين، خلال سعيه للوصول إلى هدف. وكان سيذكر جميع من شعر بالغضب من الرسم الكاريكاتيري بأن حرية الهجوم هي الحرية نفسها، التي تتيح لهم الاحتجاج عندما يشعرون بأن مشاعرهم قد تعرضت للأذى.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»