سماحة «سي» السيد!

TT

مرة أخرى يأتي تصريح إيراني رسمي جديد ليستفز الكثيرين على الساحة السياسية العربية، وهذه المرة يجيء التصريح على لسان رأس السلطة في الهرم السياسي الإيراني، وتحديدا من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، وكانت كلمته تتناول نقدا عنيفا للأطراف السياسية الفلسطينية وتشكيكا وتخوينا صريحا لهم بشكل مثير للدهشة. وقد أثار هذا التصريح العنيف ردود فعل غاضبة في الأوساط الفلسطينية، التي اعتبرت هذا التصريح تدخلا سافرا في شؤونها، وتشكيكا هائلا في مواقفها وتضحياتها الوطنية. ويأتي هذا التصريح الأخير بمثابة فصل جديد في سلسلة التدخلات الإيرانية في البلدان العربية وفي صميم شؤونها الداخلية بشكل بات غير مطمئن ويدعو للقلق. الغريب أن هذه «التدخلات» أصبحت سمة أساسية في الاستراتيجية السياسية لإيران، ولم تعد مجرد تصاريح عارضة أو مواقف فردية منفصلة. ويبدو واضحا أن إيران انتقلت بشكل فعلي من عقلية ومبدأ «تصدير الثورة» إلى «تصدير الفوضى». وهناك مجموعة غير بسيطة من الأدلة الكبيرة التي توضح حجم الضرر والشروخات الحاصلة في الصفوف العربية أخيرا جراء التدخل الإيراني المكثف، الذي ساهم في إصابة العلاقات البينية العربية بتصدع غير بسيط. هناك «حق» منحته إيران لنفسها بأن تصبح القوة الإقليمية الأهم في المنطقة وتمارس وصاية على غيرها، وتتكلم بلسان الحق والحقيقة بشكل أقل ما يقال عنه إنه استفزازي جدا. إيران أكثر دولة استفادت من رعونة الإدارة الأمريكية السابقة التي كان يقودها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، مع جماعة المحافظين الجدد، ولقد تمكنت من بسط نفوذ غير بسيط داخل العراق وحكومته، وكذلك الوضع في أفغانستان بعد أن أبعد نظام طالبان المعادي لها عن مركز السلطة، وهي اليوم ترغب في توسيع عوائد استثمارات هذا الوضع، لبسط نفوذها بشكل أكبر على المنطقة العربية في بقع وجيوب مختلفة عن طريق تبني مواقف «عاطفية» تستغل فيها الموقف العربي الشعبي وتعطشه للبطولة والبطل. إلا أن الضرر الخطير ونمو القلق والشك من الدور الإيراني في عقلية المواطن العربي سيؤدي إلى شرخ طويل الأجل بين الشعوب، وهي مسألة شديدة الحساسية مكنت شخصية مثل بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتخب من أن يتجرأ ويقول «إن إيران هي الخطر الأول على العرب اليوم»، وهذه جملة خاطئة منه مائة في المائة، فإسرائيل لا تزال هي العدو الأول والخطر الأهم، وهي التي تحدث المشاكل والمآسي والجرائم والمجازر بصورة نمطية. هذه مسألة أكيدة وأدلتها غزيرة للغاية. ولكن التصرفات العنجهية التي تقوم بها إيران (وتغطي سياستها بعباءة الدين) لم تعد إلا مصدرا للقلق، المنطقة في غنى عنه ولا داعي له. أما عن ممارسات «الفتوة والقبضايات» السياسية، فلا مكان لها لأن المنطقة سئمت من الزعامات والشعارات الفارغة التي تدعم الأمجاد الشخصية والأجندات الخاصة، بدلا من الصالح العام والسياسات المشتركة. مهما كانت المناصب الدينية والروحية العليا مهمة وأساسية، إلا أنها لا يمكن أن تعطي لصاحبها الحق لأن يكون هو صوت الله على الأرض وضمير العالم فيه، فالدين جاء على الأرض لإرساء العدل والمساواة والمؤاخاة بين الناس لأجل عبادة الله، وليس لأجل أهداف أخرى باتت معروفة ومقززة.

[email protected]